Site icon EGYCommunity

الطريق إلى التنمية المستدامة عبر التربية البيئية 

بقلم: هند جلال

تقدر منظمة الصحة العالمية أن 23٪ من إجمالي عدد الوفيات في العالم مرتبطة «بالمخاطر البيئية»؛ مثل تلوث الهواء، وتلوث المياه، والتعرض للمواد الكيميائية. وهو السبب الذي دفع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مؤخرًا إلى إصدار قرار يعيد تأكيد التزامات الدول بحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك من خلال اتخاذ إجراءات أقوى بشأن التحديات البيئية. 

وفي عام 2015، اعتمدت الأمم المتحدة سبعة عشر هدفًا تمثل أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، وهي بمثابة دعوة عالمية للعمل على إنهاء الفقر وحماية الكوكب وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار بحلول عام 2030. وتأتي الأهداف السبعة عشر متكاملة، أي أنها تدرك أن العمل في مجال ما بعينه سيؤثر على النتائج في مجالات أخرى، والتنمية يجب أن توازن بين الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

وتتمثل الأهداف المرتبطة بالبيئة في كل من الهدف السادس: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، والهدف السابع: «طاقة نظيفة وبأسعار معقولة»، والهدف الثالث عشر: «العمل المناخي»، والهدف الرابع عشر: «الحياة تحت الماء»، والهدف الخامس عشر: «الحياة في البر». وإن كان العنصر البيئي يتداخل ويتشابك مع الأهداف السبعة عشر جميعها. 

تنبه الإنسان إلى أهمية فهم البيئة والعمل على حسن استثمارها وحمايتها، وتكوين الميول والاتجاهات والقيم والمهارات والأخلاقيات والمسئوليات البيئية، ومن ثم قامت استراتيجية مصر 2030 على أساس أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2015؛ حيث أُطلقت في فبراير عام 2016 لتعكس الخطة الاستراتيجية طويلة المدى للدولة المصرية لتحقيق مبادئ وأهداف التنمية المستدامة في كل المجالات، وتوطينها بأجهزة الدولة المختلفة. وتستند رؤية مصر 2030 على مبادئ «التنمية المستدامة الشاملة»، و«التنمية الإقليمية المتوازنة». وتعكس الاستراتيجية الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة: البعد الاقتصادي، والبعد الاجتماعي، والبعد البيئي. ومن هنا قامت مؤسسات العلم والتعليم والإعلام، المحلية منها والدولية، بدور إيجابي في التربية البيئية باعتبارها دين للأجيال اللاحقة، وليست إرثًا مكتسبًا من الأجيال السابقة.

وتعطي رؤية مصر 2030 أهمية لمواجهة الآثار المترتبة على التغيرات المناخية من خلال وجود نظام بيئي متكامل ومستدام يعزز المرونة والقدرة على مواجهة المخاطر الطبيعية، وحيث أن البيئة متداخلة مع البعدين الاقتصادي والاجتماعي، فهي في علاقة متبادلة سلبًا أو إيجابًا مع كلا البعدين، ومن هنا كان لزامًا علينا الاهتمام بالتربية البيئية، وعلاقتها بالتنمية المستدامة وتعزيزها.

أولاً: ماذا نعني بالتربية البيئية؟ وما هي علاقة التربية البيئية بالتنمية المستدامة؟

التربية البيئية هي التعلٌم من أجل فهم وتقدير النظم البيئية بكليتها، والعمل معها وتعزيزها، فهي تعني التعلم للتبصر بالصورة الكلية بالمشكلات البيئية، من نشأتها ومنظوراتها، واقتصادياتها وثقافتها، والعمليات التي تسببها، والحلول المقترحة للتغلب عليها.

ولذلك تتضح أهميتها في دعم البعد البيئي لاستراتيجية مصر 2030؛ حيث تسعي مصر للحفاظ على البيئة ومنع تدهورها، والحفاظ على الموارد الطبيعية، وحفظ حقوق الأجيال القادمة. وتهدف مصر في البعد البيئي للاستراتيجية إلى تحقيق تحسن مستدام في جودة الحياة للأجيال الحاضرة، ورفع الوعي بشأن حماية الطبيعية، والحد من تأثير التغيرات المناخية بغرض توفير بيئة نظيفة آمنة للأجيال المستقبلية من خلال تطبيق سياسات إنمائية، تتميز بدمج البعد البيئي والتوازن بين أولويات النمو الاقتصادي والبعد البيئي، وتكون قادرة على إيقاف تدهور البيئة والحفاظ على التوازن، والانتقال إلى أنماط استهلاك وإنتاج أكثر استدامة، وحماية التنوع البيولوجي والاستخدام بطريقة مستدامة وبمشاركة مجتمعية فعالة. كما تهدف إلى الوفاء بالالتزامات الدولية البيئية، وإدارة المخلفات، مرتكزة على مفاهيم الحوكمة والاقتصاد الدوار، ذات محتوي معرفي وتقني وبيئي عالي. وبالنظر إلى تلك الأهداف نجد أن التخطيط البيئي، والتربية البيئية لهما دور كبير وفعال وأساسي في تحقيق تلك الأهداف، وتلك الرؤية.

ثانيًّا: أهمية التربية البيئية

تظهر أهمية التربية البيئية بإدماجها بمراحل التعليم المختلفة، من أجل تربية الإنسان تربية بيئية سليمة وراشدة، تُثري معارفه ومهاراته، وتجعل أهدافها تبصر أجيال الحاضر والمستقبل، بإمكانيات البيئة ودرجة تحملها؛ لتطبيق الفكر الإنساني حتى يمكن إكسابهم اتجاهات موجهة، شأنها المحافظة على مستوى تحمل البيئة للإنسان، وإعداد الإنسان المتفهم لبيئته والمدرك لظروفها، والواعي لما يواجه من مشكلات وما يتهدد من أخطار، والقادر على المساهمة الإيجابية في التغلب على هذه المشكلات والحد من تلك الأخطار، وفق قيم اجتماعية وضوابط للسلوك الذي يحسن ظروف هذه البيئة، على نحو أفضل بوازع من داخل الإنسان، ويعمل على تنفيذه بتوعية منه لا عن قصور وكراهية. وذلك بتربية الإنسان الذي يمكنه الالتزام بالتشريعات والقوانين، وتنفيذها وتطويرها التي تستهدف حماية البيئة والمحافظة عليها، بما يحقق الأغراض المرجوة منها على نحو أكثر فاعلية، ولتحسين رسم السياسات ووضع الخطط واستخدام العلم والتكنولوجيا بما يحفظ البيئة سلامتها ويحميها من التلف؛ لأنه من غير المعقول أن نخطط للإفادة من مواردها الطبيعية، دون أن يصحب ذلك تخطيط اجتماعي، وإعداد ثقافي وتوجيه خلقي للناس أنفسهم، وهم الذين عمل التخطيط العلمي والتكنولوجي من أجلهم، ومن ثم، فعلى الأجيال المقبلة أن تتلقى أثناء تعليمها ما يجعلها تعين الأخطار التي يمكن أن تصيب البيئة، وتعرف وسائل حمايتها، لتقوم حياتها على المحافظة على البيئة، للإبقاء على الحياة بصورة سليمة على سطح الارض ولا يقتصر دور وأهمية التربية البيئية؛ على تدريس المعلومات والمعارف عن بعض المشكلات البيئية، ولكنها تواجه طموحًا أكثر من ذلك، يتمثل في إيقاظ الوعي الناقد للعوامل الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية، الكاملة في جذور المشكلات البيئية، وتنمية القيم الأخلاقية التي تحسن من طبيعة العلاقة بين الإنسان والبيئة، والتي لا تتأتي إلا بالممارسة الميدانية، والتدرج الهرمي في أهداف التربية البيئية بدءًا من المعرفة البيئية، ومرورًا بالوعي البيئي، والاتجاهات البيئية، والقيم البيئية، وأخلاقيات تعامل الفرد مع بيئته، والمهارات البيئية، وصولاً إلى أقصي التدرج الهرمي وهو المشاركة البيئية.

ثالثًا: من هم أكثر خمس دول حفاظًا على البيئة؟

تستمد الأنظمة التربوية في أي مجتمع أصولها بشكل عام من بعض الفلسفات والأيديولوجيات، السائدة في المجتمع، فتؤكد على قيم ومواقف معينة، ولكن في مجال البيئة فإن الفلسفات التربوية تتجاوز الثقافات المجتمعية لكل دولة، وتنطلق التربية البيئية من خلال النظم التربوية من أجل إعداد مواطنين عالميين يتقاسمون الاهتمام بالبيئة التي يحيون فيها وسيعيش عليها أبنائهم وأحفادهم.

بعض الدول حظيت بإشادة عالمية بسبب إسهاماتها الإيجابية في الحفاظ على كوكب الأرض، وفقًا لمؤشر الدول الجيدة، الذي وضعة سايمون أنهولت؛ المستشار السياسي المستقل، لتقييم تأثير سياسات وممارسات كل دولة على البشرية وكوكب الأرض؛ مثل تأثير كل دولة على البيئة قياسًا بحجم النمو الاقتصادي ومدى اعتمادها على مصادر الطاقة المتجددة، وقد تصدرت النرويج قائمة الدول التي تتبنى أفضل الممارسات للحفاظ على كوكب الأرض والمناخ، وقد نالت العاصمة النرويجية أوسلو لقب عاصمة أوروبا الخضراء لعام 2019، تقديرًا لجهودها في الحفاظ على مجاريها المائية وتطويرها، والاستثمار في برامج وطرق الدراجات والنقل العام ومشروعاتها المبتكرة لمكافحة التغير المناخي، بتحويل انبعاثات الكربون إلى شيء مادي يمكن قياسه. كما عملت البلدية على إخلاء قلب المدينة من السيارات.

وحلت البرتغال في المرتبة الثالثة على قائمة الدول التي تتبنى أفضل الممارسات للمحافظة على كوكب الأرض، ثم أوروغواي، تلتها كينيا، ونيوزيلندا؛ حيث احتلت نيوزيلندا المركز 39 عالميًّا والأول على مستوى دول منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ في مؤشر التأثير الإيجابي على كوكب الأرض والمناخ.

رابعًا: نظرة مستقبلية للتربية البيئية في مصر

إذن، فالتربية البيئية لم تعد رفاهية، بل أصبحت من أولي الضروريات. فيجب إعادة النظر في مناهجنا على مستوي التعليم العام؛ حيث أن مناهج التعليم العام تسعى إلى الترويج لعموميات الثقافة، والتي يجب أن تكون أبرزها الثقافة البيئية، وطبقًا للدراسات الحديثة. فقد أوصي أساتذة التربية البيئية بوجوب دمج البعد البيئي في المناهج الدراسية المختلفة وعدم التعامل معه كعلم مستقل، نظرًا لتشعبه وامتداده في كل مناحي الحياة. لذلك يجب اتباع استراتيجيات الدمج في المناهج الدراسية طبقًا لخريطة رأسية وأفقية للمناهج في إطار المشكلات البيئية المعاصرة المحلية والعالمية. وفي ظل سعي الدولة لتحقيق التنمية المستدامة في البعد البيئي، خاصة مع التطور التكنولوجي الكبير في العملية التعليمية الذي أتاح طرق وأساليب ومحتوي مختلف طبقًا لمواصفات عالمية. فأولاً، يجب الوقوف على مشكلات ومعوقات التربية البيئية في مصر، وتوصيف المشكلات طبقًا للواقع، ثم تحديد تأثيرها على المجتمع ككل،  ومن منطلق استعراض تقارير حول أكثر خمس دول حفاظًا على البيئة في العالم، يمكننا عمل دراسات مقارنة بين ما يتم انتهاجه من أساليب في التربية البيئية في كل دولة على حدة بالمقارنة مع ما يتم في مصر عن طريق مناهجنا وأنشطتنا الحالية، لنخرج بتوصيات وممارسات يمكن تطبيقها على أرض الواقع في مصر. وذلك أملاً في تحقيق استراتيجية مصر 2030 على أكمل وجه؛ حيث أن البعدين الاجتماعي والاقتصادي متشابكان بشكل دائري يؤثران ويتأثران بالبعد البيئي، والذي ينطلق من ممارسات الإنسان مع بيئته على كل الأصعدة، ثم ننتهي بطرح الحلول الملائمة لثقافتنا.

Exit mobile version