Site icon EGYCommunity

شخصيتنا المصرية

بقلم أسمة علي

العاطفة (1)   

كثيرًا ما نسمع ونقرأ عبارة «الشعب المصري هو شعب عاطفي»؛ حيثُ يرددها المصريين وغير المصريين في كل مناسبة وفي كل حدث. البعض يقولها على سبيل المديح، بينما يعتبرها البعض الآخر أنها وصف سيئ يجب التخلص منه. فهل حقًا وصفنا كشعب عاطفي يعد وصفًا سيئًا، وهل يجب التخلص منه؟  قبل أن  نُجيب على هذا السؤال، دعوني أسوق لكم بعض الأسباب التي ربما قادت لوصف الشعب المصري بمثل هذا الوصف:

يُعرف علماء اللغة كلمة «العاطفة» بالميل والشفقة والحُنُوٌّ والرِقَّةٌ، بينما يفسرها عديد من علماء النفس على أنها «استعداد نَفسيّ ينزعُ بصاحبه إلى الشُّعور بانفعالات وجدانيّة خاصَّة، ويدفعه للقيام بسلوك معيَّن حيال شخص أو جماعة أو فكرة معيّنَة». 

ويقول جمال حمدان في رائعته «شخصية مصر»: وهكذا جمعت مصر في آن واحد بين قلب إفريقيا وقلب العالم القديم. مصر هي واسطة كتاب الجغرافيا تحولت إلى فاتحة كتاب التاريخ. وبناءً عليه، يمكن القول بأن وقوع مصر جغرافيًّا في قلب العالم قد جعل قلوب أبنائها بوصلة للبناء والتماسك؛ نظرًا لأن عاطفتهم كانت دائمًا بمثابة الشعاع الذي يضئ لهم الدروب منذ أن ارتبط الإنسان القديم بهذه الأرض الطيبة. ومن ثم، فإن هذه العاطفة القوية هي جزء لا يتجزأ من الشخصية والهوية المصرية.

لقد مال المصري القديم للاستقرار، فأحب أرضه وأقام عليها أعظم حضارة عرفها التاريخ، وخلد كل أنواع العاطفة على جدران معابده وفي بردياته. فقد قرأنا، على سبيل المثال، كيف جمعت إيزيس أشلاء جسد زوجها أوزوريس بكل حب وصبر، وقد قرأنا أيضًا قصة «سنوحي» والتي كشفت عن ولاءه لبلاده ورفضه لخيانة وطنه والذي هرب منه خوفًا. كما كانت والدة أحمس نموذجًا احتذت به النساء والأمهات في بلادنا إلى يومنا هذا؛ حيثُ إنها كانت مثالاً للأم التي تهدي زوجها وابنها فداءً لوطنها.

وتوالت الحضارات على هذه الأرض، فصبغها المصري بمصريته. ونتيجة لانبهار الإسكندر الأكبر بالحضارة المصرية، اتبع سياسة التقرب من المصريين محاولاً إرضاء شعورهم القومي والديني. كما احتضن المصريون الأنبياء وآمنوا بالله الواحد الأحد منذ القدم مدفوعين بعاطفتهم وفطرتهم السليمة. 

كما أنه على مر العصور، كانت العاطفة هي المحرك الأساسي للمصريين، لاسيما في الأزمات والحروب كحرب أكتوبر المجيدة؛ حيثُ إنه لولا هذه العاطفة والإيمان الشديد بالوطن، ما تحقق هذا الانتصار العظيم. كما كان تلاحم الشعب المصري أثناء ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ مثالاً آخر لعاطفة المصريين.    

ومن ثم، شكلت عاطفة المصريين هذا النسيج المترابط والأمة الواحدة المتضمنة مختلف أنواع العلاقات الإنسانية والتكافل الاجتماعي. وهكذا هم في رباط إلي يوم الدين.

ولذا، في اعتقادى لم يكن وصفنا كشعب عاطفي وصفًا سيئًا على الإطلاق يجب التخلص منه؛ بل إن عاطفة المصري جعلت عدوه يخشاه وساعدته على تحرير الأرض وعدم التفريط في حبة رمل واحدة، فضلاً عن أنها جعلته كالبركان الذي يثور في وجه الظلم والفساد، فكم حاول الكثيريون استثارة عاطفة المصريين من أجل مصالحهم. ولكن هذا الشعب العظيم يمتاز أيضًا بالحكمة والذكاء والخبرة الكافية ليُدرك «مين ياباالعدو ومين الصديق» كما قال الأبنودى وغنّى عبد الحليم.

   

Exit mobile version