بقلم: شادي محسن
لم تُخف الإدارة المصرية الحالية سلبية العلاقة التي تربطها بالمجتمع المدني في مصر؛ كون أن هناك بعض المنظمات الحقوقية أصبحت أداة «تسييس» ممنهج للسياسة الخارجية الأجنبية الراغبة في هدم الاستقرار في مصر، أو بث الاضطرابات. وأيضًا لأن المجتمع المدني أصبح بعيدًا عن فلسفة الدولة المصرية بعد 30 يونيو، القائمة على المنهج الديمقراطي التنموي. ومن ثم كان واجبًا أخذته مصر 30 يونيو على عاتقها، وضع منهج سياسي محدد للمجتمع المدني في مصر.
يستند المنهج الحالي الديمقراطي التنموي في الدولة على بناء مُجتمع سياسي يقوم على «المؤسسية» أولاً، ثم على التصرف بالمنهج التنموي. أي بعبارات أخرى، لا يمكن أن تعترف الدولة بحركات اجتماعية سياسية على أنها فاعل سياسي له الحق في الاندماج والتعبير عن الرأي، كما لا يمكن لها أن تسمح بتداخل النشاط السياسي بين كيانات هذا المجتمع السياسي، وهو ما انعكس في قانون الجمعيات الأهلية، الذي تم تصديقه في يناير 2021؛ حيث تنص إحدى مواده أنه «لا يحق للجمعيات الأهلية المعنية بالتنمية تبني سلوك سياسي خاص بالنقابات والأحزاب». وهو ما يعني أن مصر 30 يونيو أصبحت تفصل نشاط المجتمع المدني في مصر إلى نشاطين: الأول، تنموي خاص بالجمعيات الأهلية، والثاني، سياسي خاص بالأحزاب والنقابات.
أما المنهج الثاني للدولة المصرية، «دولة 30 يونيو» في التعامل مع المجتمع المدني، هو المنهج التنموي الشامل، أي أن هدف مؤسسات الدولة الحكومية وغير الحكومية؛ مثل الجمعيات الأهلية، ينصب في التنمية الشاملة للدولة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ لجملة من الغايات، من أهمها هو تحقيق «الصمود المجتمعي» (Social Resilience).
قضية الصمود المجتمعي في مصر
تتبنى مصر 30 يونيو وجهة نظر مؤداها أن حجم التحديات التقليدية، الأمنية على سبيل المثال، وغير التقليدية مثل النكبات والكوارث، أصبح يشغل حيزًا كبيرًا في العالم وبات يهدد ما يسمى بـ«صمود أو تماسك المجتمعات»، أي يصبح المجتمع متشرذم، تشغله قضايا متفرقة لا تتعلق ببناء الأوطان، وبالتالي تهدد بقاء الدولة، وتتحول إلى دولة فاشلة أو مخترقة بتدخلات غير وطنية.
ومن ثم، تقدمت مسألة «الصمود المجتمعي» أولويات الإدارة المصرية، الذي تعتبر أحد تجلياته المفاهيمية في مصطلح «الاصطفاف الوطني». ويشير هذا المفهوم إلى استهداف جميع أنماط التحديات التي تعمل على شرذمة المجتمع المصري. وأهم هذه التحديات في المسائل الاجتماعية؛ مثل العنف ضد المرأة وعدم التكيف مع النكبات والأزمات، وفي المسائل الاقتصادية؛ مثل الفقر والبطالة، وفي المسائل السياسية؛ مثل الشعور بالدونية تجاه الوطن، وفقدان الهوية.
لذا شرعت مصر 30 يونيو في ترتيب سياسات محددة بهدف التخلص من القضايا التي تؤثر على الصمود المجتمعي للشعب المصري.
دور المجتمع المدني؟
تسعى مصر، أولاً، إلى توجيه المجتمع المدني نحو فهم المقترب التنموي الشامل الجديد الذي تتبناه الدولة الجديدة أو الجمهورية الجديدة، سيما وأن هناك ظاهرة أصبحت تلتصق بالجمعيات الأهلية، وهي تضخم عددها مقارنة بحجم السكان داخل المحافظة يزيد عن فقدانها البوصلة السياسية القومية لتحديد أهدافها؛ وثانيًّا، إلى إشراك المجتمع المدني جنبًا إلى جنب مع خطط الدولة التنموية؛ بهدف تفعيل نشط لدور المجتمع المدني في خدمة القضية المعنية بالحديث «الصمود المجتمعي».
يظهر ذلك في ترأس صندوق تحيا مصر للمجتمع المدني في مبادرات رئاسية تنموية؛ مثل تنظيم أكبر قافلة إنسانية في العالم في نوفمبر 2020، ودمج المجتمع المدني في أكبر مشروع قومي في تاريخ مصر وهو تنمية قرى الريف.
كذلك يظهر جليًّا في اعتزام القوات المسلحة المصرية دعم المجتمع المدني في مصر من أجل رفع معدلات الأداء للتدريب العملي المشترك لمجابهة الأزمات والكوارث. وتدريبهم على صياغة السيناريوهات المختلفة للمجابهة، وتم ذلك في عدد كبير من المحافظات في مصر. يتماشى ذلك مع التاريخ المسبق للقوات المسلحة في إدارة الأزمات والكوارث في مصر، وهو ما ساهم في بلورة دوره في إدارة أزمة كورونا في بعض المجالات.
كما نسقت مصر بشكل رسمي من خلال وزارة الخارجية مع نقابة الأطباء لتنظيم قافلة طبية إلى أهالي غزة المتضررين في الحرب الأخيرة. كما ظهر دور صندوق تحيا في تنظيم القوافل الاغاثية والإنسانية المتجهة إلى غزة.
ختاما، يمكن القول إنه لا يقتصر دور المجتمع المدني في مصر على جانب محدد، بل يشمل مستويات سياسية واقتصادية واجتماعية ولكن تتحدد وفق أطر تنموية. ولكن يركز المقال على أن الصمود المجتمعي أصبح أولوية مهمة لأجندة الدولة من أجل الوصول إلى أداء شعبي مرن يحفظ لمصر بقاء أمتها في وجه التحديات المختلفة.