Site icon EGYCommunity

في ذكرى معلم الأجيال.. وحيد حامد

كتبه:أسماء عبدالعظيم بدران

عندما يتعدى الفن حدود الإبداع ليستوطن القلوب ويصنع الذكريات، ويرسم في الذاكرة علامات تبني شخصيات أجيال تلو أجيال؛ فلابد وأن نذكر الرائع «وحيد حامد» الذي تعدى إبداعه مجرد أن نذكره ببعض من أعماله الفنية أو ما ناله من تكريمات؛ لأن ما قدمه أكثر عمقًا وأبعد تأثيرًا من ذلك.

في الواقع، لم يكن وحيد حامد كاتبًا مبدعًا فحسب، بل هو مبدع استطاع أن يحقق معادلة صعبة للغاية بين تجسيده للواقع واستشرافه للمستقبل. وبمجرد مشاهدتك لأعماله السابقة، التي قد تكون من عشرات السنين، تلاحظ أنها بمثابة نبوءات تتحقق وكأنه عاش تلك اللحظة في المستقبل، ثم عاد ليجسدها في أعماله. و هذا إن دل على شيء فإنما يدل على ثقافته الغزيرة الممزوجة برؤية الكاتب الواعي والمدرك للأمور والقادر على استنتاج ما سيحدث بناءً على المعطيات الحالية. فلم يكن كاتبًا فقط، بل كان مفكرًا ومعلمًا للأجيال السابقة والحالية.

ومن الجدير بالذكر أيضًا أنه يمكنك تمييز أعمال وحيد حامد دون أن تقرأ اسمه على العمل. فليس من المعتاد أن تجد من يناقش القضايا الاجتماعية بمنتهى الدقة دامجًا فيها البعدين السياسي والإنساني؛ لتكتمل القضية أمام المشاهد وتتمكن من إدراك كل جوانب المشكلة. ولا شك أنها حالة لن تجدها بسهولة بين الكتَّاب.

تميز وحيد حامد أيضًا بسلاسة كتاباته، رغم شدة عمق وتعقيد ما يناقشه. فلم يكن من هؤلاء الذين يكتبون للمثقفين وأصحاب القضايا فقط، بل كانت عبقريته في أنه يضع أكثر الأمور تعقيدًا في قالب بسيط ليصل إلى عقل أي مشاهد، بل ويجذبه أيضًا لمتابعة القضية ويدمجه فيها. فلم يكن يتباهى بالأفكار  والجمل المعقدة، وإنما كان بليغًا في اختيار الكلمات البسيطة التي تستقر في عقل المشاهد لتكون فيما بعد التعبير الأدق عن هذه المشكلة كلما ذكرت كأحد الأقوال الخالدة.

لا يمكن أيضًا أن ننكر أن وحيد حامد من أخطر الكتَّاب السياسيين، و الذي كان دائمًا يحذر و يشير في أعماله لخطورة الإسلام السياسي في تكوين المجتمع، و في إدارة الحياة السياسية. وكانت شجاعته تكمن في أنه كان يعلن ذلك في الوقت الذي تتمتع فيه تلك الجماعات بقدر من السلطة و الحرية في هذا المجتمع، ولكن إيمانه بعواقب الأمور لم يوقفه من إلقاء الضوء الأحمر، كلما ذكرت هذه الجماعات ولم يأبه حتى بالتهديدات التي كانت تمثل خطرًا على حياته.

ومن هنا تمكن وحيد حامد من خلق بصمته عبر الأجيال، وبناء الوعي السياسي و الاجتماعي للعديد من القضايا مؤكدًا أهمية دور الفن الأخطر والأكثر تأثيرًا على الوعي الجمعي للمجتمع، حتى أن الكثير يردد عبارات شهيرة من أعماله كأقوال مأثورة. فلا يوجد منا من لم يتأثر بعمل أو مشهد أو حوار أو جملة من مؤلفات وحيد حامد.

وفي النهاية لا يمكن أن نذكر وحيد حامد كشخصية مصرية عظيمة فحسب، بل كظاهرة مصرية شديدة الخصوصية والتأثير ، ليس فقط على مستوى المَشاهد، بل على مستوى كل من عمل معه من الفنانين في كافة مجالات العمل الفني. و لم تكن أعماله مجرد علامات مضيئة في تاريخ الدراما والسينما المصرية، بل كانت أرشيفًا لتاريخنا وإنسانيتنا و تجاربنا.

وأخيرًا و ليس آخرًا، شكرًا وحيد حامد لكل ما قدمته من إرث سيظل دائمًا في وجداننا شكرًا لصدقك وشجاعتك واجتهادك … شكرًا لأنك علمتنا وأرشدتنا وأنت تمتعنا بفنك و كتاباتك … شكرًا لإخلاصك وشكرًا لأنك أنت وحيد حامد.

Exit mobile version