Site icon EGYCommunity

تطوير قطاع الكهرباء المصري: قدرات أعلى بوقود أقل

بقلم: د. محمد شادي


شهدت مصر تحولًا عميقًا في عملية إنتاج الطاقة الكهربية، سواءً على مُستوى الكم أو الكيف، وقد جاء هذا التحول نتيجة لاستراتيجية واسعة لتحويل مصر لمركز إقليمي لتداول الطاقة، مما دفع الإدارة المصرية لخدمة هذا المشروع من جهات مُتعددة، بحيثُ أفضت مُحصلة جهودها إلى خلق واقع جديد للقطاع يتمثل أساسًا في نقطتين: خفض كميات الوقود المُستخدمة، ورفع قدرات التوليد. ويحاول هذا المقال رصد التحولات في مزيج الطاقة المصري في الاتجاهين.
خفض كميات الوقود المُستخدمة
شهدت مصر خلال فترة ما بعد يناير ٢٠١١ اضطرابًا في عمليات إنتاج الطاقة الكهربية، ناتجة أساسًا من عُنصرين أساسيين؛ أولهما، انخفاض الإنتاج المحلي من الوقود الأحفوري مُقارنة بالاستهلاك، وقد كان ذلك مُحصلة انخفاض ضخ الاستثمارات من طرف الشركاء الأجانب، مما أسفر عن تراجع المُنتج من النفط والغاز من الحقول المحلية، نتيجة عدم الصيانة والتطوير من جانب، بالإضافة إلى عدم وجود عمليات بحث وتنقيب ترفع من الاحتياطيات والإنتاج، ويوضح الشكل التالي تطور الكميات المُنتجة محليًّا النفط والغاز خلال الفترة من عام ٢٠٠٠ وحتى
٢٠١٩:

شكل (1): يوضح تطور إنتاج النفط والغاز من الحقول المصرية

ويتضح من الشكل توقف الإنتاج عن النمو فيما بعد ٢٠١١؛ حيث تسطح المُنحنى عند مستوى ٥٩ ألف طن من النفط في ٢٠١١، اتخذ بعدها اتجاه هبوطي، ليصل إلى مستوى ٤٠ ألف طن في ٢٠١٦ كأدني مستوى له منذ ٢٠١١، قبل أن يتجه مُجددًا للارتفاع ليصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق في ٢٠١٩ عند مستوى ٦٤٫٩ ألف طن. ينطبق ذات الوضع على الغاز الطبيعي مع اختلاف بسيط؛ حيث كان الإنتاج قد بلغ ٣٥ مليار م٣ في عام ٢٠١٠ ليصل إلى أدنى مستوياته في عام ٢٠١٧ عند مستوى ٣٢٫٢ مليار م٣ قبل اكتشاف حقل غاز نور، ليبدأ مُجددًا موجة صعود تصل به إلى مستوى ٣٣٫٦ مليار م٣ في عام ٢٠١٩.
وفي اتجاه معاكس، بدأت معدلات الاستهلاك في الارتفاع مدفوعة بالنمو السكاني، وانخفاض مستويات الأسعار بسبب الدعم، مما ساهم في إهدار كميات المنتجات النفطية، بالإضافة لتهريب أخرى خارج حدود البلاد، مما أدى إلى ارتفاع العجز بالتدريج كما يوضحه الشكل التالي:

شكل (2): يوضح تطور عجز المواد النفطية والغاز الطبيعي خلال الفترة من ٢٠٠٠ وحتى ٢٠١٩

يوضح الشكل تعمُّق عجز المواد النفطية من نحو أقل من مليون طن في ٢٠١٢ إلى نحو ٧ مليون طن في ٢٠١٦، كذلك تحول فائض الغاز عند مستوى ١٥٫٦ مليار م٣ في عام ٢٠١١ إلى عجز بمقدار ٩ مليار، وبالتالي اضطرت الحكومة للجوء إلى الأسواق العالمية لسد الفجوة، الأمر الذي شكل ضغطًا على مواردها الدولارية التي انخفضت تدريجيًّا، مما أعجز الحكومة عن الاستمرار في سد كامل العجز، في ظل ارتفاع كميات النفط المُستخدمة، من عام إلى عام وما صاحبها من ارتفاع الطلب على الكهرباء الذي يُعبر عنه الحمل الأقصى للشبكة.
انعكس الوضع تدريجيًّا في عام ٢٠١٧؛ بحيث بدأ اتجاه جدي لانخفاض العجز، سواءً في النفط أو الغاز الطبيعي بداية من العام ٢٠١٧، ليبلغ ١٫١٣ مليون طُن فقط في عام ٢٠١٩، بينما تحوَّل إلى فائض في الغاز؛ حيث بلغ ٥٫٩٩ مليار م٣ في ذات العام، مما يعني معه انخفاض الضغوط على الميزان النفطي. كذلك صاحبت هذه الانخفاضات كفاءة أكبر في توليد الكهرباء بعد إنشاء محطات أكثر كفاءة، وهو ما ينقلنا للنقطة الثانية.
تحقيق مزيج طاقة أكثر كفاءة
لم يكن إنجاز الدولة فقط على مستوى خفض الضغط على الميزان النفطي، بل بدأت في اتجاه رفع قدرات التوليد المُتاحة من الكهرباء، باستخدام ذات الكميات من النفط، ثم صاحبت رفع القدرة بخفض في الكميات المُستهلكة من الوقود؛ بحيث تواجه الطلب الحالي والمُستقبلي بأقل ما يُمكن من التكاليف. ويوضح الشكل التالي الارتفاع في الطلب على الكهرباء أو ما يُعبر عنه بالحمل الأقصى في ظل انخفاض الوقود المُستخدم:

شكل (3): يوضح تطور استخدام الوقود والحمل الأقصى للطاقة الكهربية

يتضح من الشكل استمرار نمو الطلب على الطاقة الكهربية، حيث ارتفع الحمل الأقصى باستمرار خلال فترة الدراسة، وذلك من مستوى ٢٣٫٤ جيجا وات في عام (٢٠١٠/٢٠١١) إلى مستوى ٣١٫٤ في عام (2018/2019)، في حين استمر ارتفاع الكميات المُستهلكة من الوقود بداية من عام (٢٠١٢/٢٠١٣) عند مستوى ٣١٫٧٥ مليون طن مازوت معادل، إلى مستوى ٣٧٫٣٣ مليون طن، وذلك قبل أن ينخفض إلى مستوى ٣٤٫٧٧ مليون طن في عام (2018/2019)، وذلك رغم الارتفاع الذي سبق الإشارة إليه في الحمل، مع انتهاء المعاناة من الانقطاعات المتكررة من الكهرباء بداية من عام (٢٠١٧/٢٠١٨)، ويُقارن الجدول التالي بين المُتغيرات في الوقود المُستخدم خلال عامي (٢٠١٧/٢٠١٨) و(٢٠١٨/٢٠١٩):
جدول (1): يُقارن بين الوقود المُستخدم في عمليات التوليد في عامي (٢٠١٧/٢٠١٨) و(٢٠١٨/٢٠١٩)

ويوضح الجدول انخفاض الكميات المُستهلكة من المازوت بنسبة تتجاوز ٥٦٪، وكذلك انخفاض السولار بنسبة تتجاوز ٧٥٪ فيما بين العامين، في حين ارتفعت كميات الغاز المُستخدمة بنحو ٣٫٦٪، بما يُناسب القدرات المحلية في إنتاج الغاز والتي شهدت تحقيق فوائض ضخمة، بنحو ٦ مليار م٣، بما يُقلل الضغوط على مصادر الطاقة الخارجية، سواءً من المازوت أو السولار الذين تُعتبر مصر مُستوردًا صافيًّا لهما.
كذلك يُشير الجدول السابق إلى دخول متغير أدى إلى خفض الوقود المُستخدم مع الارتفاع في قدرات التوليد المُتاحة، وهو تأثير دخول محطات سمينز الثلاثة الكبرى العاملة بالدورة المُركبة إلى الشبكة القومية للكهرباء، ويوضح الشكل التالي تأثير انضمام المحطات الثلاثة على قدرات التوليد:
شكل (4): يقارن بين قدرات التوليد الاسمية بين عامي (٢٠١٤/٢٠١٥) و(٢٠١٨/٢٠١٩)

ويتضح من الشكل ارتفاع قدرات التوليد الإسمية الإجمالية من المصادر الأحفورية من مستوى ٣١٫٨٣ جيجا وات إلى مستوى ٥٣٫٢٦ جيجا وات، بعد ارتفاع القدرة الناتجة عن الدورة المُركبة من ١١٫٨٨ جيجا وات إلى ٣٢٫٤٧، وارتفاع القدرة البُخارية بشكل طفيف من ١٥٫٠٨ إلى ١٦٫٧٤ جيجا وات، وذلك في ظل انخفاض الوقود المُستهلك في عام (٢٠١٨/٢٠١٩) كما سبقت الإشارة إليه. من جانب آخر، أُضيف للقطاع قدرات جديدة من الطاقات المُتجددة تبلغ ١٫٦ جيجا وات من الطاقة المُتجددة، بين العامين محل المقارنة؛ حيث ارتفعت القدرات من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى مستوى ٢٫٢٤ جيجا وات بعدما كانت قد استقرت عند مُستوى ٠٫٦٨ جيجا وات.
مُحصلة ما سبق إذن هو نجاح الإدارة المصرية أولًا في تطوير القدرات المحلية من الاستخراجات الأحفورية بعد اتباع برنامج نقدي ومالي أفضى إلى دفع مُتأخرات الشركات الأجنبية، ما أسفر عن قيام هذه الشركات باستمرار نشاطها في البحث والتنقيب، ما أدى إلى اكتشافات جديدة خففت الفجوة النفطية، وحولت العجز إلى فائض في خصوص الغاز. ثم عمدت الإدارة بعد ذلك إلى استثمار الفوائض من الغاز المحلي، عبر استخدام تكنولوجيا محطات الدورة المُركبة التي نجحت في رفع القدرات الاسمية على التوليد، مع استخدام كميات أقل من الوقود المُعادل للمازوت بشكل عام، وكذلك خففت استخدامها من المازوت والسولار فعليًّا بنسب تتجاوز النصف لكلا المُنتَجيّن، وفي ذات الوقت أضافت بعضًا من قدرات الطاقة المتجددة، ما أسفر في النهاية عن وجود مزيج طاقة أكثر كفاءة وأقل تكلفة، مع قدرات متاحة أكبر على التوليد.

Exit mobile version