Site icon EGYCommunity

التعليم الفني … بداية أمل

بقلم: د. أحمد السلاوي  

انتبه أنت في ظل الثورة الصناعية الرابعة! لكن هل تساءلت يومًا كيف تحول الإنسان من إنتاجه لأصغر الأشياء إلى الآلات الأكثر تعقيدًا؟ وما الأطر التي يتم من خلالها إنتاج مثل هذه الآلات؟ فالإجابة عن تلك الأسئلة تستوجب تتبُّع الأحداث منذ الثورة الصناعية الأولى، فالثانية، فالثالثة، وصولاً إلى الرابعة المسماة «بالثورة التكنولوجية الرقمية». 

والأمر يبدأ من مقولة شائعة تقول «اعمل لتتعلم». فالعمل هو الأداة أو الحرفة أو المهنة في سبيل الحصول على الأجر، ومن ثم يأتي توفير الحياة الكريمة لصاحب هذا العمل. أما العامل الماهر، فهو من يحكم أصول الحرفة أو مهنة ما، ولن يبلغ ذلك إلا بالتعليم. وبناءً على مستوى التعليم الفني الذي يحصل عليه أبناء الوطن، تُبني الحضارات والدول القوية. ومن خلال هذا المقال نُسلط الضوء على التعليم الفني بين المفهوم النظري والتطبيق العملي.

التعليم الفني: الهدف والرسالة والواقع الحالي 

بعد قيام ثورة الإنقاذ، بدأ التعليم يأخذ شكلاً جديدًا وأصبح للتعليم الفني والمهني دوره الهام في تحقيق أهداف محددة في ظل عصر التكنولوجيا؛ منها إعداد الطاقات البشرية اللازمة لمتطلبات الأمن في مجالات الإنتاج والخدمات، وربط خطط التعليم الفني بخطط التنمية الاقتصادية، والعمل على انتقاء الطلاب وتوزيعهم على فروع التعليم الفني وفق قدراتهم وميولهم وتبعًا لحاجات القطاعات الاقتصادية، ودعم التكامل بين الدراسات النظرية والدراسة العملية التطبيقية وإكسابهم طرق التفكير العلمي، وتوجيه مناهج التعليم الفني لتلبية احتياجات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ورفع المستوى الفني للفنيين وزيادة تأهيلهم. وتشمل رسالة التعليم الفني الإعداد الفني المتميز المناسب لسوق العمل الداخلي والخارجي، والمساهمة في الإنتاج المحلي عن طريق تحويل المدارس إلى مصادر إنتاج تعليمية، وإتاحة الفرصة للطلاب للالتحاق بالكليات العلمية والتكنولوجية. 

نظرة خاطئة

تكمن المشكلة في نظرة المجتمع باستخفاف للتعليم الفني، ظنًا بأنه أقل أهمية مقارنة بأنواع التعليم الأخرى. وتمتد تلك النظرة الدونية إلى خريجي مدارس التعليم الفني؛ فهم لا يحظون بالتقدير والاحترام الكافيين، ويرى الكثيرون صعوبة التحاقهم بالتعليم الجامعي. بل ونجد عدم تكافؤ للفرص وتغير المعاملات المادية بين خريجي تلك المدارس وخريجي الجامعات، بالإضافة إلى تحفظ بعض المربيين خشية أن التعليم الفني يؤثر على المستوى الأكاديمى للطلاب. ومن ناحية أخرى، عدم تشجيع أغلب الصناعيين للتعليم الفني لتشكيكهم بجدوى هذا النوع من التعليم والتدريب، مما أدى إلى افتقار الدولة للعمالة الماهرة في المجالات المختلفة.

واقع التعليم الفني في مصر 

يواجه التعليم الفني في مصر مجموعة معوقات؛ منها أن السبب وراء تدهور العملية التعليمية ليس ضعف الميزانية، بل الكيفية التي تدار بها عملية الإنفاق وضعف توزيع وتوظيف كافة الإمكانات اللازمة للعملية التعليمية؛ حيث تذهب نسبة كبيرة من المبالغ المدرجة للعملية التعليمية لنصيب الأجور والمكافآت والبدلات. ومن بين المعوقات أيضًا عدم تطبيق حصص النشاط الرياضي والفني التي تعمل على التنفيس عن طاقات الطلاب، وعدم ربط المناهج الدراسية بالتقنيات التكنولوجية الحديثة وباحتياجات السوق المحلي، وقيام بعض المعلمين بتدريس تخصصات غير تخصصاتهم، واتباع النظام التقليدي القديم في التدريس دون تطوير الموقف التعليمي نفسه لعدم توافر الأدوات والوسائل التعليمية للمعلمين. فهناك عجز في تأهيل المعلمين المؤهلين، وضعف عام في برامج التنمية المهنية الفعالة، بالإضافة إلى انخفاض مستوى الإدارة المدرسية في بعض المدارس وضعف جهاز التوجية الفني وانخفاض كفاءته، ووجود عجز في معلمي المواد الثقافية لعدم رغبتهم في الانتداب؛ لعدم وجود دروس خصوصية لضعف مرتبات المعلمين.   

ومن ناحية أخرى، نجد سوء حالة بعض المباني وتهالكها. أما بالنسبة لطلاب التعليم الفني، فهناك ضعف في مستوى التحصيل؛ حيث لا يجيد كثير منهم القراءة والكتابة بالقدر الكافي، إلى جانب تكدس الدارسين ببعض الأقسام بسبب التحاقهم بها حسب المجموع وليس حسب رغباتهم مما يضعف فرص الإبداع. واتساع الفجوة بين الدراسة النظرية والتطبيق الميداني، وزيادة العنف المدرسي بين الطلاب وضعف تعاون أولياء الامور مع المدرسة. كما نلاحظ بعض الأماكن التي تقام فيها المدارس مما يؤدي إلى عزوف كثير من الطلاب عن الدراسة، وقلة المعلومات المتاحة حول طبيعة السوق، وقلة فرص الاستثمار المقدمة من قبَل رجال الأعمال، وعدم وضوح الرؤية لأعداد الطلاب المراد التحاقهم بالمدارس الفنية. 

التعليم الفني وخطط التنمية في مصر 

هكذا رصدنا واقع التعليم الفني وما يعانيه. لكن مع وضع رؤية مصر 2030، بدأت تلك النظرة تتغير. فلقد أصبح تطوير التعليم الفني بجميع مكوناته هو الشغل الشاغل لمؤسسات الدولة باعتباره أحد دعائم قاطرة التنمية. وتم استحداث تخصصات جديدة تناسب الواقع والتطور الذي نعيشه. على سبيل المثال، تم تدشين مشروع (WISE)، وهو مشروع لتطوير القوى العاملة وتعزيز المهارات مدعومًا من هيئة المعونة الأمريكية. كما تم إضافة تخصصات جديدة بالمدارس الفنية، منها تخصص اللوجيستيات في المدارس الفنية بالإسماعلية وبورسعيد، وذلك لتوفير فنيين مهرة للعمل بالموانئ وفي قناة السويس لتحقيق أعلى أداء في لوجستيات النقل. كذلك إدخال تخصصات مرتبطة بتركيب وصيانة محطات الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح في أسوان والبحر الأحمر؛ حيث تتواجد أكبر محطة للطاقة الشمسية في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تخصصات بمجال الإلكترونيات، وذلك لتوفير الفنيين للعمل بالمجمعات الإلكترونية في برج العرب والقرية الذكية وأسيوط.

علاوة على ذلك، تم تنفيذ «نظام الجدارات» بعديد من المدارس التطبيقية التكنولوجية؛ بحيث يعتمد تقييم الطلاب وفقًا لنظام الجدارات بشكل أكبر على الشق العملي لقياس الجدارات المهارية لدى الطلاب عمليا، وليس نظريا. كما تعتمد المناهج في نظام الجدارات على أن يكون هناك ملف إنجاز لكل طالب، ويقوم الطالب بتسجيل كل إنجاز حققه أثناء الدراسة في الملف بخط يده، على أن يستعين بهذا الملف عند التقدم لأي فرصة عمل. هذا بالإضافة إلى إمكانية توفير الفرصة لاستكمال الدراسة بعديد من الكليات.

فلا شك أن التعليم الفني في مصر، هو الأمل الوحيد لبناء دولة قوية صناعيًّا. ولن نبلغ ذلك إلا بالتطوير الدائم والمستمر. ومن ثم، في ضوء ما سبق، أقترح أن يتم تحديد أعداد الطلاب بالمدارس الفنية وتخصصاتهم حسب احتياجات كل المحافظة من الأيدى العاملة المهرة، وفقًا للبيانات المتاحة من كبرى مشروعات والمجمعات الصناعية. وأقترح أيضًا إنشاء موقع إلكتروني تشارك فيه جميع المدارس الفنية بشكل إلزامي، كأحد أساليب تقييم للأداء؛ حيث يتم تسجيل مقترحات الطلاب، سواءً للمشروعات أو التصميمات، ويقوم القطاع الخاص بتنفيذ تلك التصميمات أو المشروعات المطروحة، ثم يتم تقسيم الأرباح بين المدرسة المشاركة ومُنفِّذ أو مُنتِج للمشروع. على سبيل المثال، يشارك قسم المنسوجات والملابس بتصميمات مقترحة يقوم القطاع الخاص بتنفيذها وتسويقها. ومن ناحية أخرى، تقوم كل محافظة بتسجيل احتياجاتها من جميع المنتجات، وتقوم المدارس الفنية بإنتاجها؛ بحيث يتم إسناد بعض المشروعات لمدارس التعليم الفني، وبالتالي تتحول لمؤسسات صناعية تعليمية. 

المصادر 

  1. أزهار عبد العال (2015): التعليم الثانوى الفني، الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، مركز الأبحاث والدراسات السكانية ،89، 33-69.
  2. ألبيرت سيف حبيب (2014): التعليم الفني في مصر: المشاكل والحلول، اتحاد جمعيات التنمية الإدارية، 51، 40-47. 
  3. غريب عبد الكريم (2001): مشكلة التعليم الفني بالمغرب، مجلة عالم التربية، 11، 40-43.
  4. محمد عبد الله خير الله (1995): تطوير التعليم الفني، مجلة التوثيق التربوي، وزارة التربية والتعليم، مركز التوثيق التربوى، 28، 104.
  5. الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
Exit mobile version