بقلم: محمد رشدي
كثيرٌ من المشروعات التي تعكس وجه مصر الحضاري كانت في بدايتها مجرد أفكار، وإن عبرت مرحلة الفكرة، فإنها لا تصل مرحلة التخطيط، وإن بلغتها، تتوقف عند مرحلة التنفيذ، إما بسبب عدم توافر العناصر الأساسية للتنفيذ كتدبير التمويل اللازم أو ببساطة بسبب تجاهل تلك المشروعات التي لم يُنظر إليها برؤية مستقبلية. ودائمًا ما كانت تُرى أنها مشروعات ليس لها أهمية، وبالتالي لم تُدرج على قائمة الأولويات كغيرها من المشروعات المرتبطة بتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
ومع مرور الزمن وتراكم السنوات، أصاب الوجه الحضاري لمصر كثير من التشوهات وتغيرت ملامحه. فهنا العاصمة: «القاهرة»، بعد أن تفشت فيها العشوائيات وأحاطتها من كل جانب؛ وظلت تعاني طيلة سنوات عسى يأتيها المُخلِّص. كما أن المشهد بباقي المحافظات ليس ببعيد؛ فهذا التشوه الذي أصاب قلب العاصمة، قد بلغ أطراف الجسد، حتى صار مستسلمًا لمظاهر غير حضارية. وبدأت أعراض الإعياء تظهر على وجه مصر الحضاري؛ وكادت أن تنال من ملامحها وتصيبها بتشوه مستدام.
وصار تجلي الوجه الحضاري المصري القديم قاصرًا داخل أروقة المتاحف وما تحتويه من مقتنيات، بل ولم تعد تلك البنايات مناسبة لعرض وإبراز الوجه الحضاري لمصر بالصورة اللائقة، بعد أن أصابها التكدس والإهمال، فتخرج منها القطع الأثرية تلو الأخرى، ومن ثم لا يعاودون الكَرَّة.
وها قد أشرقت شمس الجمهورية الجديدة برؤية مستقبلية ثاقبة، فيها الأولوية والأهمية القصوى لمثل هذه المشروعات التي تعكس الوجه الحقيقي والحضاري لمصر؛ أقدم دولة عرفها التاريخ. ومن ثم، تم تدبير التمويل اللازم لتحويل كافة الأفكار والرؤى الهادفة إلى الحفاظ على التراث المصري وتطويره، وتحويلها لمشروعات لها خطط تنفيذ وجداول زمنية تعمل بمعدلات غير مسبوقة. ومع مرور الوقت وفي سباق مع الزمن، واصلت الأيادي المصرية البناءة عملها على تنفيذ تلك المشروعات لتستعيد معها تدريجيًّا الوجه الحضاري لمصر وملامحها التراثية الأصيلة التي لطالما تحدث عنها الرحالة والمؤرخين على مر العصور، وسُجلت في التاريخ لتُزين سمعة مصر الطيبة وحضارتها بين دول العالم. وفيما يلي لمحة سريعة عن أهم المشروعات الحضارية المقامة حاليًّا في مصر:
«العاصمة الإدارية الجديدة»
تم البدء في إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة شرق مدينة القاهرة، وذلك لموقعها المتميز وقربها من منطقة قناة السويس والطرق الإقليمية والمحاور الرئيسية. وتشمل المرحلة الأولى من مشروع العاصمة الإدارية الجديدة مقار حكومية ذكية، وكذلك تشمل مناطق سكنية متعددة المستويات لكل شرائح المجتمع؛ منها إسكان اجتماعي، ومقر الحكم، ومدينة طبية عالمية، ومدينة رياضية، وقرية ذكية، وقاعات مؤتمرات دولية، ومدينة معارض ضخمة، ومناطق خدمية وتعليمية، ومناطق للمال والأعمال وطرق حضارية بعرض ١٢٠ مترًا ومحور أخضر بمساحة ٧٢٠٠ فدانًا بعرض ٣٠٠ كيلو مترًا مربعًا.
«القاهرة التاريخية»
تعتمد استراتيجية إحياء وتطوير القاهرة التاريخية على عدد من المحاور؛ منها الحفاظ على المباني الأثرية وذات القيمة، وذلك من خلال الترميم وإعادة الاستخدام، والعمل على إحياء النسيج العمراني والتاريخي للمناطق، مع إجراء حصر للأنشطة غير الملائمة لطبيعة المنطقة التاريخية، وتخصيص أماكن بديلة لها، أو تشجيعها على تغيير النشاط، إلى جانب تأهيل الأحياء العمرانية ذات القيمة التاريخية، وإعادة استخدامها بالشكل المناسب لها، مشيرًا إلى أن مناطق التطوير بالمرحلة العاجلة لإعادة تأهيل الأحياء العمرانية ذات القيمة التاريخية، تتضمن مناطق مسجد الحاكم، وباب زويلة، وحارة الروم، ودرب اللبانة، والفسطاط، ومسجد الحسين، والأزهر، مع العمل على إزالة الركام والتراكمات الموجودة بتلك المناطق لاستكمال أعمال تطويرها، وإعادة إنشاء المباني الخرِبة بالطابع الإسلامي، إلى جانب تنفيذ تطوير كامل لمختلف شبكات المرافق بها، وذلك للوصول بها إلى أن تصبح هذه المناطق منطقة تراث عالمي.
«المتحف المصري الكبير»
يهدف مشروع «المتحف المصري الكبير» إلى إنشاء متحف جديد بجوار الأهرامات في محافظة الجيزة، على بعد 15 كيلومتر جنوب غرب القاهرة؛ من أجل دعم حفظ وترميم التراث الثقافي والتاريخي، ولتعزيز الأنشطة المتعلقة بالمجال المتحفي كعرض القطع الأثرية والأنشطة التعليمية. يبدأ مسار الزائر للمتحف المصري الكبير بالدخول إلى ساحة الدخول الرئيسية؛ وهي ميدان المسلة المصرية بمساحة ٢٧,٠٠٠ متر مربع؛ حيث يرى أمامه الواجهة المهيبة للمتحف «حائط الاهرامات» بعرض ٦٠٠ متر، وارتفاع يصل إلى ٤٥ متر يدلف منها الزائر إلى داخل المبنى الذي يتألف من كتلتين رئيسيتين؛ هما مبنى المتحف إلى يساره، جهة الجنوب، بمساحة اجمالية ٩٢,٦٢٣ متر مربع؛ ومبنى المؤتمرات إلى يمينه، جهة الشمال، بمساحة اجمالية ٤٠,٦٠٩ متر مربع ويربط بينهما بهو المدخل؛ حيث يقبع تمثال الملك رمسيس العظيم.
«المتحف القومي للحضارة المصرية»
يقع المتحف بالقرب من حصن بابليون، ويطل على بحيرة عين الصيرة في قلب مدينة الفسطاط التاريخية بمنطقة مصر القديمة بالقاهرة. وقد تم وضع حجر الأساس عام ٢٠٠٢؛ ليكون هذا المتحف واحدًا من أهم وأكبر متاحف الآثار في العالم. وهو أول متحف يتم تخصيصه لمجمل الحضارة المصرية؛ حيث تحكي أكثر من ٥٠ ألف قطعة أثرية مراحل تطور الحضارة منذ أقدم العصور حتى العصر الحديث. وتُعرض مقتنيات المتحف في معرض رئيسي دائم يتناول أهم إنجازات الحضارة المصرية، بالإضافة إلى ستة معارض أخرى تتناول موضوعات: الحضارة، والنيل، والكتابة، والدولة والمجتمع، والثقافة، والمعتقدات والأفكار، بالإضافة إلى معرض المومياوات الملكية، وبتكلفة إجمالية بلغت مليار ونصف جنيهًا.
«تطوير منطقة مثلث ماسبيرو»
يعد مشروع تطوير منطقة «مثلث ماسبيرو»، من أهم مشروعات التطوير الجاري تنفيذها بالقاهرة لإعادة رونقها الحضاري، مما يغير من خريطة المنطقة بعد الانتهاء من أعمال التطوير؛ حيث يبلغ مسطح منطقة مثلث ماسبيرو التقريبي نحو 75.19 فدان بكل ما تشمله من مبانٍ ومعالم قائمة.
«سور مجري العيون»
يشمل المشروع تنفيذ 79 عمارة سكنية لها طابع معماري يتماشى مع المنطقة التراثية لتضم 1924 وحدة سكنية، و18 وحدة تجارية، بجانب تنفيذ مول تجاري إداري ترفيهي، على مساحة 51 ألف م2، ويضم مطاعم وسينمات، وغيرها من الأنشطة، وجراج يسع 1355 سيارة.
«منطقة عين الصيرة»
تعود بداية مشروع «تطوير بحيرة عين الصيرة» إلى يناير 2020، وذلك ببدء المرحلة الأولى وهي عملية التكريك وتطهير البحيرة؛ لإزالة المخالفات التي وصل حجمها حوالي200 ألف م3 من مخالفات من البحيرة.
وأخيرا وليس آخرًا، فإن تنفيذ تلك المشروعات لم يكن أمرًا سهلاً بأي حال من الأحوال، بل استدعى تضافر كافة جهود الدولة والشراكة القوية مع القطاع الخاص في بعض منها. الا أنه، ومهما كانت التحديات التي كانت تعيق أو قد تمنع تنفيذ تلك المشروعات، تم تذليلها بإرادة قوية وإيمان حقيقي بضرورة استعادة الوجه الحضاري لمصر من جديد.
المصادر:
الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية