صراع الوعي والتضليل
بقلم: ماجد حجاج
مع بداية كتابة تلك المقالة، عُصفت بعديد من المعلومات من أثر ما قرأته عن أحداث حرب أكتوبر 73 ومفاوضات السلام في كتب عربية أو أجنبية؛ صراع فكري في محاولة لإيجاز ما حدث في تلك الفترة المجيدة من بطولات على مستوى الجندي والضابط المصري أو حتى المواطن العادي أو الانتصار الشامل للدولة المصرية.
وإن كانت الإجابة على السؤال المُلح: هل مصر فازت في حربها مع إسرائيل في أكتوبر – كيبور 1973؟، قد يلقي بالإرتياح، فإنني قد آثرت الإجابة عن هذا السؤال في نهاية مقالتي، وليس امتناعًا مني أو محاولة لإثارة وتشويق القارئ، ولكن ثقةً بأن القارئ سيجد الإجابة بين طيات السطور التالية.
وبالعودة إلى موضوع المقالة، والتي تاُتي تحت عنوان: «حرب أكتوبر1973: صراع الوعي والتضليل»، ورد على ذاكرتي ما قاله «جوزيف غوبلز»؛ وزير الدعاية في ألمانيا النازية من عام 1933 حتى عام 1945.
«اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس»
وعلى الرغم من سخرية القدر إلا أن هذا بالضبط ما يفعله الجانب الإسرائيلي في تناوله لكل ما يأتي عن ذكرى حرب 1973، أو حرب يوم كيبور كما يطلقون عليها. الكذب هو ما تعوًد عليه الجانب الإسرائيلي منذ بداية الإعلان عن دولتهم في إبريل من عام 1948.
وعلى الرغم من الوثائق والمعلومات المعلنة أو السرية، والتي يتم الكشف عنها تباعًا من الجانب الإسرائيلي نفسه، وبناءً على ما هو مذكور وموثق في مراسلات أو أحاديث صحفية وقتها أو حتى مذكرات لقادة وضباط إسرائيليين؛ بأن إسرائيل قد مُنيت بهزيمة مُذلة في حرب كيبور 73، إلا إنهم مازالوا لا يريدون الاعتراف بتلك الهزيمة حتى وقتنا هذا. ونستطيع الرد على تلك الافتراءات والأكاذيب ليس بما جاء في مذكرات قادة وضباط مصريين، بل سنأتي بأهم ما جاء على ألسنة الإسرائيلين أنفسهم.
ولعل من أهم ما جاء كان في صحيفة معاريف الإسرائيلية بتاريخ 20 سبتمبر 1998:
«إن صفارة الإنذار التي دوت في الساعة الثانية إلا عشر دقائق ظُهر السادس من أكتوبر عام 1973، كانت تمثل في معناها أكثر من مجرد إنذار لمواطني إسرائيل بالنزول إلى المخابئ؛ حيث كانت بمثابة الصيحة التي تتردد عندما يتم دفن الميت. وكان الميت حينذاك هو الجمهورية الإسرائيلية الأولي. وعندما انتهت الحرب، بدأ العد من جديد، وبدأ تاريخ جديد. فبعد ربع قرن من قيام دولة إسرائيل، باتت أعمدة ودعائم إسرائيل القديمة حطامًا ملقى على جانب الطريق.»
وما جاء في كتاب «التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط»؛ حيث أبدى الرئيس الأمريكي نيكسون إعجابه بقوله:
«كرئيس للولايات المتحدة وكأمريكي وكريتشارد نيكسون فإنني أحترم هؤلاء الذين يحاربون جيدًا ويضحون بأنفسهم. فأنتم حاربتم جيدًا مثل الفييتناميين ونحن نحترم هذا. وأرجو ألا تسيء فهمي، إذ أن الفيتناميين شيوعيون، فأنا أعني فقط القتال والقتال الجيد … الروح نفسها؛ ويجب أن اعترف بصفاتي الثلاث أنكم قمتم بكل هذا بصورة جيدة، واستمر نيكسون يقول؛ إنه نتيجة لهذا تغيرت كل الصورة وقد أصبح موقف الولايات المتحدة وموقفه كرئيس لها مختلفين الآن.»
وعليه فإن الإجابة على السؤال الذي تم طرحه في بداية المقالة، هي؛ نعم مصر فازت بكل ما خططت له وعملت لأجله منذ التفكير الأول لخوض تلك الحرب.
وللإجابة عن هذا السؤال للمتخصصين، فيمكن القول بأن ما حققته مصر يعد مزيجًا من النصر السياسي والعسكري؛ فقد أظهر الهجوم المصري المباغت لإسرائيل والولايات المتحدة أن مصر قد أصبحت في وضع يسمح لها بأن توقع خسائر ضخمة بإسرائيل فتجعلها تدفع ثمن احتلالها لسيناء غاليًا. وقد كان لأول مرة حافزًا لإسرائيل للدخول في المفاوضات وللولايات المتحدة لتدفع إسرائيل بجدية نحو هذه المفاوضات. كما أن مهمة التوصل إلى حل دائم للصراع في الشرق الأوسط أصبحت مُلحة أكثر بسبب الحرب. وبدأت وسط جو سياسي الاتصالات تختلف اختلافًا جذريًا في صالح مصر والأمة العربية، وبذلك يمكن أن نقول: إن العبور في حد ذاته يمثل النصر في حرب أكتوبر.
ولكن ليس الأهمية في إثبات ما هو حقيقة؛ لأن الدلائل موجودة وموثقة والدلائل من الجانب الإسرائيلي نفسه وليس الجانب المصري فقط، ولكن القضية هي توعوية في المقام الأول.
وعلى الرغم من انتصار الدولة المصرية في حرب أكتوبر والتي تعد آخر حرب نظامية بين العرب وإسرائيل، إلا أن مصر والعرب يجب عليهم الحذر كل الحذر، وأخذ التدابير اللازمة؛ لأن حروب اليوم أشرس وذات أثر أعمق وأخبث. فهي حروب تستهدف تغييب الرأي العام والتشكيك في مقدراته وزعزعة ثقته وإحساسه بالمواطنة في دولته. وللأسف فإن إسرائيل قد تقدمت كثيرًا في هذا الأمر، وهذا قد يعد ترجمة لتطور وتغير استراتيجية الفكر الإسرائيلي في حربه مع العرب ككل؛ حيث تأكدت لديهم العقيدة بأنهم الخاسر الأكبر في أي حروب نظامية مستقبلية مع العرب. لذا انتهجوا نهجًا مغايرًا باستخدام الأدوات الإعلامية في محاولات التأثير على الرأي العام العربي وزعزعة ثقته في نفسه. الأمر الذي يلقي الضوء على أهمية بلورة استراتيجية وطنية مصرية، بل واستراتيجية عربية في محاولة للحاق بركب التطور في حروب الفكر بالفكر، وإلا ستكون العواقب كارثية والخسائر كبيرة. ولعلها بدأت بما حدث في ربيع الثورات العربية وماحدث من تفكك أنظمة عربية مستقرة.