بقلم: علياء حجازي
لا تغيير يتحقق بالنداءات والشعارات والهتافات، ولا حتي بالنوايا الطبية والأفكار الداعمة. يبدأ التغيير برؤية واضحة ورسالة ذات معني تكون محور استراتيجية دولة قابلة للتحول إلى خطط تنفيذية تستثمر كل الأدوات الممكنة لتنفيذها، خطة يضع تفاصيلها مجموعة عمل شبابية تنسيقية بين الجهات المختلفة، مجموعة عمل من شباب مُختلف، يتسلح بالفكر والعلم وكثير من الشغف والوطنية والرغبة المستميتة للتغيير، وإرادة سياسية داعمة للرؤى الوليدة وقودها حماس وعزيمة وطموح. لذا، كبداية للتغيير لابد أن نحسب ما نملك من معطيات وما يواجهنا من تحديات لنرسم بناءً عليها توجهاتنا مستقبلاً.
بداية من المعطيات، ندرك أهمية الهدف المنشود، وهو تثبيت وتدعيم أركان المجتمع بثوابت فكرية ذات معنى وجدوى وندرك الطريق للهدف، وهو استراتيجية تكاملية لبناء الإنسان المصري وما يتبعه من البناء الأسري وبناء المجتمع ومنه نكتسب القدرة علي امتلاك أمة قادرة. ويبقى لنا أن نوفر أدوات البناء من مؤسسات ومهندسي تخطيط للطريق وهم الشباب والصنايعية المهرة، والذين هم أفراد المجتمع. والأهم أننا نضمن توفر الإرادة السياسية، مع كل خطوة تدفع لبناء الإنسان المصري كوحدة البناء التأسيسية لأمة فريدة استطاعت أن تبهر العالم عبر آلالاف السنين، وحتى اليوم بمجرد ممارستها التفرد الوارثي الممتد عبر أجيال متتالية، وصولاً لحضارة أنارت البشرية لآلاف السنين.
أما التحديات فتكمن في ميل الإنسان بطبيعته إلى مقاومة التغيير والتمسك بقيود التقاليد الآمنة، حتى وإن كانت تكبله عن المضي قدمًا في ركب التطور. والهدف الأسمى من حياة الإنسان هو إعمار الأرض، ولا يتم هذا الإعمار دون تجديد وتطوير مستمر يضمن أن يُبني الجيل اللاحق على ما تعلمه من الجيل السابق، ثم ينقل كل خبراته وأفكاره وما بناه عبر السنين إلى الجيل التالي ليستمر في البناء، وهكذا تتطور البشرية. وإن لم تكن تلك سُنة الحياة، ما أمكننا الوصول لما تحقق اليوم من تكنولوجيا واكتشافات وكنا اكتفينا بسكن الكهوف، ومطاردة الفرائس، والاحتماء من الوحوش البرية. ومن هنا نجد أن كل المجتمعات تنقسم إلى محافظين، ومجددين، وطرف ثالث بينهما يحتفظ بحياديته، حتى يسيطر أحدهما على مجريات الأمور. فيكتسب قناعات كتلة حرجة مُغيرة من ذلك الطرف؛ ليستطيع تحويل المسار بالاتجاه الذي يرغب فيه، واليوم نجد أن المجتمع بدأ يتحرر من قبضة بعض المتشددين المتزمتين الذين استطاعوا أن يقيدوا المجتمع في غياهب الجهل استغلالاً للدين بفرض رؤى قاصرة ومغلوطة للسيطرة علي عقول أتباعهم وجني ثروات وسلطة من تلك التبعية، وهي الفرصة المؤهلة لخلق نقطة تحول يتحرر بها المجتمع من تلك العتمة. يبحث عن رؤية جديدة للحياة والعلم والدين والعلاقات الإنسانية، يبني قناعات راسخة بديلاً عن ترديد شعارات مجوفة فقدت معناها فجدواها تدريجيًّا بكثرة الترديد دون إيمان حقيقي بها.
أما البداية بقرار من القيادة السياسية بإطلاق المشروع القومي لبناء الإنسان المصري، وتشكيل لجنة تنسيقية من الشباب لإدارة هذا الملف تدرس تجارب الدول السابقة في إعادة تشكيل المجتمعات وتوطين مبادئ وقيم إنسانية بوجدان الشعوب، مع مراجعة الفلسفات الفكرية والدينية لتحقيق ذلك، ثم وضع استراتيجية ذات أهداف محددة بالتنسيق مع الجهات المعنية من كافة الأطياف المجتمعية للتوصل لصيغة توافقية لما يجب أن يُبني عليه مجتمع «الجمهورية الجديدة» من مبادئ واضحة راسخة وفلسفة وجدوي كل منها، وكيفية زرعها في وجدان الإنسان المصري عبر كل الأدوات المتاحة، إنه بحق المشروع القومي الأهم على الإطلاق؛ لأن دون الإنسان لا يمكن أن تُبنى حضارة أو تستقر دولة، والضامن الوحيد لبناء كل ما تم إنجازه بإعجار عبر سنوات معدودة، هو بناء مجتمع واعي يحافظ على المكتسبات، ويحمي المقدرات، ويصمد ضد كل موجات الاحتلال الفكري، واستيراد القوالب الفكرية والدينية من دول أخرى وقولبة المجتمع المصري داخلها عنوة، بعد أن كانت مصر هي مركز ثقل الأمة العربية والإسلامية ورمانة الميزان التي تضمن الوسطية بين كافة الأفكار المتطرفة، صار المجتمع هشًا في مهب الريح عرضة لكل التيارات الفكرية المختلفة؛ لأننا تخلينا عن بناء فكرة مصرية خالصة نعتز بها ونصدرها للعالم كله.
البداية عند فخامتك سيدي الرئيس .. اطلب من الشباب والمجتمع وضع استراتيجية متكاملة توافقية .. طالب المجتمع أن يكون شريكًا لك في صناعة المجد .. واصِل حلمك ببناء أمة قادرة تمتلك القدرة الفكرية والمهارات اللازمة لصناعة حضارة جديدة .. اِبْنِ مجتمع يليق بالجمهورية الجديدة، وكأننا نصنع مصر من جديد .. إنها الفرصة والأمل بين إيديكم سيدي الرئيس.