بقلم : د. عمرو سكر
جلست الزوجة تحدث زوجها عن زيارتها لصديقتها، وأنها قدمت لها طبقًا من السمك المشوي لم تذق مثله من قبل، فطلب الزوج من زوجته أن تأخذ الطريقة ليذوق هذا الطبق الذي لا يقاوم. اتصلت الزوجة وبدأت تكتب الطريقة وصديقتها تحدثها فتقول «قومي بتنظيف السمكة، ثم اغسليها، وضعي البهارات، ثم اقطعي الرأس والذيل، ثم احضري المقلاة» وهنا قاطعتها الزوجة «ولماذا قطعتي الرأس والذيل؟» فكرت الصديقة قليلاً، ثم أجابت: «لقد رأيت والدتي دائمًا تفعل ذلك! ولكن دعيني أسألها». اتصلت الصديقة بوالدتها وبعد السلام سألتها: «عندما كنت تقدمين لنا السمك المشوي اللذيذ لماذا كنت تقطعين رأس السمكة وذيلها؟» أجابت الوالدة: «لقد رأيت جدتك تفعل ذلك! ولكن دعيني أسألها.» اتصلت الوالدة بالجدة وبعد الترحيب سألتها: «تذكرين يا أمي طبق السمك المشوي الذي كان يحبه أبي ويثني عليك عندما تحضرينه؟» فأجابت الجدة: «بالطبع»، فبادرتها بالسؤال قائلة: «ولكن ما السر وراء قطع رأس السمكة وذيلها؟» فأجابت الجدة بكل بساطة وهدوء: كانت حياتنا بسيطة وقدراتنا متواضعة، ولم يكن لدي سوى مقلاة صغيرة لا تتسع لسمكة كاملة!
تمثل هذه القصة واقع الكثير من القادة الذين يستمرون بالقيام بأعمال روتينية، واتخاذ إجراءات معينة واتباع حلول متكررة دون التفكير في المتغيرات والمستجدات؛ لأن أبسط وأسهل شيء هو أن نفعل ما كنا نقوم به دومًا، وهذا بدوره يكبد مصاريف كان بالإمكان تلافيها. ومع التحديات المتزايدة أصبحنا في حاجة إلى إيجاد حلول للمشاكل التي تواجهنا بعيدًا عن أسلوب التفكير الرتيب والوسائل التقليدية والمسكنات التي لا تعالج، بل تزيد المشكلات وتحولها إلى أزمات. إن تكليف القيادة السياسية للحكومة والمجتمع المدني للتنسيق من أجل توفير حياة كريمة للفئات الأكثر احتياجًا في الريف المصري الممثل في «مشروع حياة كريمة» هو انتقال نوعي من التقليد الأعمى الذي عشنا عليه فترات من الزمن في مصر الممثل في التركيز على مؤشرات النمو الاقتصادي فقط، وعدم الاهتمام بتحقيق التنمية الاقتصادية.
ووجب توضيح مبسط للقارئ غير المتخصص في علم الاقتصاد للفرق بين المصطلحين؛ فالنُّمو الاقتصادي يعني حدوث زيادة في متوسط الدخل الفردي الحقيقي مع مرور الزمن، الذي يعبر عن الدخل الكلي مقسومًا على عدد السكان، والذي لا يمثل بالضرورة التوزيع العادل للثروات أو الأبعاد الخاصة بالتنمية المجتمعية كمؤشر. كما أن النمو الاقتصادي هو مفهوم أضيق من التنمية الاقتصادية. لقد ظهر تخصص التنمية الاقتصادية كأحد فروع علم الاقتصاد منذ الخمسينيات، و هناك عدد كبير من الاقتصاديين الذين كتبوا حول طبيعة المجتمع والرخاء الاقتصادي، ومن أهمهم آدم سميث. تعبر التنمية الاقتصادية عن الإجراءات المستدامة والمنسقة التي يتخذها صناع السياسة التي تساهم في تعزيز مستوى المعيشة والصحة والتعليم و الاقتصاد لمنطقة معينة. كذلك، يمكن أن تشمل هذه الإجراءات مجالات متعددة، من بينها تنمية رأس المال البشري والبنية التحتية الأساسية والتنافس الإقليمي والاستدامة البيئية والشمولية الاجتماعية.
فاذا قرآنا وتأملنا جيدًا محاور «مبادرة حياة كريمة»، سنجد تطابقًا تامًا مع مفهوم التنمية الاقتصادية الذي يحتاج إليه المجتمع المصري بشدة منذ عهود طويلة. فقد بدأ يتردد على مسامعنا مصطلح لم نعهده من قبل في مصر كنا فقط نسمع عنه لدى البلاد الأخرى، وهو «تحسين جودة الحياة للمواطن». فالهدفالرئيسي لمشروع حياة كريمة هو التدخل العاجل لتحسين جودة الحياة لمواطني الريف المصري. ويشمل المشروع تدخلات ترفع كفاءة وتطوير وإنشاء البنية الأساسية لسكن كريم، وأبنية تعليمية، ووحدات صحية، وصرف الصحي، وطرق، مراكز شباب، ووحدات صحية بيطرية، وتبطين الترع، توزيع المواد الغذائية، وقوافل طبية، بالإضافة إلى تقديم التدريب الحرفي الممثل في مبادرة «مهنتك مستقبلك». والمرحلة الأولي من المشروع تستهدف ٤,٥ مليون مستفيد بحجم استثمارات ١٣,٥ مليار جنيه. فتلك الأبعاد المتعددة التي يعمل عليها المشروع من بعد بيئي ومجتمعي وتعليمي وصحي وتنموي للعنصر البشري تترجم معنى التنمية الاقتصادية بطريقة حقيقية على أرض الواقع المصري، وليست كنظرية مكتوبة على ورق أو كلمات يتغنى بها المسئولون بلا تنفيذ.
السر هو أنه ليس كل قديم يصلح للحاضر؛ فلابد من الإرادة الحقيقية في اقتحام المشكلات بحلول جذرية، ولست مسكنات كما كان يفعل الآخرون. وهناك إمكانيات حقيقية في هذا البلد كي ينمو ويحقق ما يصبوا إليه، ولكن كانت تحتاج إلى من يؤمن بوجودها ويحسن استغلالها.