بقلم: محمد عبد الحكيم
أبهر المصريون العالم في الثالث من إبريل الماضي بالموكب المهيب لنقل إثنين وعشرين مومياء ملكية لملوك وملكات مصر القديمة من مقرهم القديم بالمتحف المصري بالتحرير إلى مقرهم الدائم بالمتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط. وكان موكبًا مهيبًا ومليئًا بكثير من التفاصيل، استلزم كثير من التحضيرات والاستعدادات بدءًا من نقل ملوك وملكات مصر حتى وصولهم إلى مقرهم الدائم. وفي السياق ذاته، لا تقل التفاصيل الخاصة برحلتهم داخل أروقة المتحف، منذ استقبالهم لحين عرضهم، ثراءً ولا إثارة عن رحلتهم في شوارع القاهرة.
وفي أعقاب انتهاء الحفل الأسطوري ونقل المومياوات الملكية إلى المتحف، عكف مجموعة من العاملين المختصين بالمتحف على تنفيذ خطة مُحكمة تم إعدادها مسبقًا للتعامل مع مومياوات ومقتنيات أجدادهم العظماء. وقد استغرقت عملية التجهيز أسبوعين قبل عرض المومياوات للجمهور في الثامن عشر من إبريل الماضي، والذي وافق يوم الاحتفال التراث العالمي. وقد مرت التجهيزات بمراحل عدة، والتي كانت كالتالي:
بدأت المرحلة الأولى من رحلة المومياوات داخل أروقة المتحف في معامل الاستقبال والفحص الظاهري؛ حيثُ قام فريق العمل المختص بإعداد تقرير يوضح حالة كل مومياء على حدى، مقارنة بالمومياوات الأخرى قبل عملية النقل.
وتجدر الإشارة إلى أنه لكل مومياء تقريرًا مفصلاً مدونًا عليه من الأعلى اسم الملك أو الملكة. وفي منتصف التقرير، معلومات عن سبل حفظ ونقل المومياء وحالة كل منها؛ من حيث جودة الحفظ وعمليات الترميم السابقة، ومواطن القوة والضعف، والأجزاء التي بها كسر حسبما أظهرت نتائج الأشعة المقطعية. وفي نهاية التقرير، يوجد توقيع لأي من أحفاد هؤلاء الملوك والملكات، والمسئول عن إعداد التقرير.
بينما في المرحلة الثانية، تم الاعتماد على ما ذُكر في تقرير الحالة الخاص بكل مومياء؛ بحيث يتم تحديد إن كان سيتم حفظ المومياء أو تخزينها داخل وحدات حفظ تعمل بالنيتروجين لحين وضعها في قاعة العرض، أم سيتم توجيه المومياء لمعمل ترميم المومياوات في حال وجود ما يستدعى لذلك مثل الإصابة بآفة حشرية أو الإصابة بميكروب فطري أو بكتيري قد يودي إلى تحلل المومياء أو قد يتسبب في حدوث تلف بها.
وفي هذا الصدد، هناك تفاصيل تستحق الإشادة بها في تلك المرحلة الأولى، أنه تم أخذ عينات من كل المومياوات لعمل تحاليل الحمض النووي لها (DNA)، وذلك لتتبع ومعرفة أنساب الملوك والملكات ومقارنتها بما هو مُثبت أو مفترض تاريخيًّا. وهنا يجدر الإشارة إلى أن تلك العينات المأخوذة من المومياوات لا تؤدي إلى حدوث تلف بالمومياوات ولا تشوهها ولا تؤثر على شكلها ومظهرها؛ حيثُ تؤخذ العينة من البقايا الموجودة حول جسد المومياء أو من أي جزء غير مرئي منها، وذلك باستخدام تقنية عالية الدقة. أما الثانية، فهي تتعلق بمدى الاهتمام بالتابوت والمقتنيات الخاصة بكل مومياء؛ حيثُ إنها حظيت باهتمام وتعامل كبير لا يقل أهمية عن التعامل الذي تم مع المومياوات ذاتها من حيث التوثيق والفحص والترميم لما تحويه تلك التوابيت من نصوص ورموز وألوان فريدة، وذلك تمهيدًا لعرضها بجانب المومياوات.
وكما بدا الإبهار بالموكب الملكي المهيب واستمراره أثناء عمليات الترميم وأثناء التجهيز والإعداد للعرض، كانت طريقة عرض مومياوات الملوك بالمتحف لا تقل جمالاً ولا إبهارًا؛ حيث تم تصميم قاعة العرض على شكل المقابر المنحوتة في الجبل، لتحاكي نظيرتها بالأقصر، وفيها تظهر أجساد الملوك للنور لأول مرة منذ آلاف السنيين.
وأخيرًا، كانت مرحلة تجهيز فاترينات عرض للمومياوات أو التوابيت المزودة بوحدات قياس درجة الحرارة والرطوبة بشكل دوري، ومزودة بأنظمة إضاءة مخصصة لذلك وبمستوى قياسي لا يؤثر على المعروضات.
إلا أن كل ما سبق، هو مجرد لمحة بسيطة مما دار خلف كواليس هذا الحدث العالمي، الذي يبرز ما تحققه مصر من وعي وعلم وثقافة، وتأكيدًا على احترام المواطن المصري لأجداده من صنعوا تاريخه ومصدر فخره الأول بهويته المصرية المتفردة.