بقلم: أمنية السيد شاهين
في تسعينيات القرن الماضي، بدأ الباحثين التركيز على مفهوم جديد للأمن هو الأمن الإنساني، ويرجع ذلك إلى ظهور مجموعة من المتغيرات، ومن ضمنها ظهور أنواع جديدة من التهديدات؛ فمع التهديدات العسكرية ظهر الإرهاب والتغيرات المناخية والأزمات الإقتصادية والصراعات الإثنية. ومن المتغيرات أيضًا ظهور فواعل جديدة تهتم بالقضايا الأمنية؛ حيث لا تقتصر الفواعل على الدول فقط، بل تضم أيضًا المراكز البحثية والجمعيات المحلية.
وقد ظهر مفهوم الأمن الإنساني لأول مرة في تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية عام 1994، وهو «تحرير البشر من التهديدات الشاملة، واسعة النطاق، والتي تمتد لفترات طويلة وتعرض حياتهم للخطر». ووضع المفهوم سبعة مجالات؛ هي الأمن الغذائي والأمن الصحي والأمن البيئي والأمن الشخصي والأمن المجتمعي والأمن السياسي والأمن الاقتصادي. على الرغم من أن مفهوم «الأمن الإنساني» يركز على الفرد، إلا أنه لا يقصي الدولة تمامًا، بل يأتي مكملاً ضروريًّا لأمن الدول، وعلى الدولة أن تعمل على تحقيق شروط الأمن الإنساني، لتصبح بذلك الدولة وسيلة لخدمة شعوﺑﻬا، وليست غاية في حد ذاﺗﻬا؛ لأن وظيفتها الأولى هي ضمان الأمن للأفراد.
ومن هنا سيركز هذا المقال على مجال الأمن الإقتصادي عامًا، وشبكات الأمان الإجتماعي في مصر خاصًا. تتضمن المعايير المرتبطة بالأمن الاقتصادي؛ الدخل الأساسي والعمالة المؤمن عليهما، والوصول إلى شبكات الأمان الاجتماعي، وكذلك الحرص على تحقيق العدالة الاجتماعيّة بالتوزيع العادل للموارد والعوائد.
شبكات الأمان الاجتماعي
تشير شبكات الأمان الاجتماعي إلى برامج التحويلات النقدية أو العينية الهادفة إلى الحد من الفقر من خلال إعادة توزيع الثروة و/أو حماية الأسر من الصدمات الناجمة عن تغير الدخل. كما تحمي برامج شبكات الأمان الاجتماعي الأسرة من أثر الصدمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية وغير ذلك من الأزمات. وبذلك يكون الأمان الاجتماعي داعمًا للاستقرار والتماسك الاجتماعي لأي بلد.
برنامج تكافل وكرامة
تطبق مصر حزمة من إجراءات الإصلاح الاقتصادي منذ 2016، ومن ثم كان لازمًا على الدولة المصرية تعزيز برامج شبكات الأمان الاجتماعي للتخفيف من تأثير تلك الإصلاحات على الفقراء والمحرومين. أطلقت وزارة التضامن الاجتماعي، تحت مظلة تطوير شبكات الأمان الاجتماعي، «برنامج تكافل وكرامة»؛ والذي يشمل برنامج التحويلات النقدية المشروط (تكافل)، للأسر الفقيرة التي لديها أطفال؛ وبرنامج التحويلات غير المشروطة (كرامة) لذوي الإعاقة والمسنين والأيتام، وجزء للمرأة المعيلة. يعد تكافل وكرامة من البرامج الرائدة التي تقدم مساعدات للأسر الفقيرة والأكثر احتياجًا، عن طريق استهداف الأسر التى تتسم بمؤشرات اقتصادية واجتماعية منخفضة تحول دون إشباع احتياجاتها الأساسية، بالإضافة إلى التعليم والصحة. ومن بين المستفيدين على مستوى مصر: نساء وأطفال فقراء، وفقراء معاقون، وأيتام فقراء، وأرامل فقيرات، هذا فضلًا عن مدّ مظلة الحماية لتستهدف الفئات التى ليست لديها القدرة على العمل والإنتاج؛ مثل كبار السن (62 سنه فأكثر)، أو من لديهم عجز كُلى أو إعاقة.
كما يساهم البرنامج فى تحقيق عديد من الأهداف الأخرى، منها الخاص بالتعليم؛ مثل زيادة نسبة التحاق الأطفال بالتعليم؛ حيث اشترط البرنامج حضور أبناء الأسر المستفيدة لحصصهم المدرسية بنسب لا تقل عن 80٪، وأخرى خاصة بالصحة؛ وتتمثل فى تحسين الصحة العامة من خلال دعوة الأمهات بتلك الأُسر لحضور جلسات توعية صحية، ومتابعة الحمل، وإعطاء الأطفال كافة التطعيمات الدورية على مدار السنوات العمرية الستة الأولى.
وقد أكدت وزارة التضامن الاجتماعي، أن إجمالي عدد المستفيدين من برنامج الدعم النقدي «تكافل وكرامة»، بلغ نحو 3 ملايين و370 ألف أسرة مستفيدة، حتى منتصف يونيو 2021.
آثار فيروس كورونا المستجد
ولا يمكن تناول موضوع شبكات الأمان الاجتماعي دون وضعه في إطار أزمة جائحة كورونا الحالية. أثرت أزمة فيروس كورونا على اقتصادات العالم ككل بما فيهم مصر؛ حيث تبعت الأزمة آثار اجتماعية أثرت بالسلب على المجتمعات المحلية، وبعض الشرائح بالأخص تتحمل العبء الأكبر من تلك الآثار. وبينما ساهمت قرارات الإغلاق ومنع التجول والتباعد الاجتماعي في إنقاذ الأرواح، تسببت أيضًا في تكبيل الشركات والاقتصاد. وعلى ذلك عانت المجتمعات المحلية من فقدان الوظائف وسبل كسب العيش وإغلاق المدارس والأسواق والأضرار التي لحقت بمنشآت الأعمال. وهنا يأتي دور شبكات الأمان الاجتماعي لتخفف تلك الأثار على الشرائح التي تتحمل العبء الأكبر ولتحقيق توازن بين شرائح المجتمع.
سياسات وإجراءات الحكومة المصرية
تتضمن سياسات الحكومة المصرية للتخفيف من تداعيات فيروس كورونا؛ مد شبكات الأمان الاجتماعي لتشمل أعداد إضافية من الأسر الأكثر فقرًا والفئات الأولي بالرعاية والأكثر عرضة للتأثر بالأزمة، وتأمين صرف المعاشات، وميكنة عمليات الصرف والمساهمة في تغطية القرى المعزولة بالتغذية اللازمة وأدوات التعقيم والنظافة والتوسع في حملات التوعية المجتمعية، وميكنة أغلب عمليات الاستعلام والتظلم للأسر المستفيدة تحت مظلة برامج الدعم النقدي. وتتضمن الإجراءات؛ وجمع البيانات اللازمة عن العمالة غير المنتظمة وإنشاء قاعدة بيانات للتوسع في تغطية تلك الفئات بمظلة الحماية التأمينية، والتنسيق مع الوزارات المعنية والجمعيات الأهلية المساهمة في تجهيز أماكن العزل الطبي وتوفير المستلزمات الضرورية للمرضى.
وفي فبراير 2021، أعلنت وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج، تنفيذ برنامج الحكومة في تحسين مستوى المعيشة، من خلال التوسع في شبكات الأمان الاجتماعي، حيث تم تطوير أول قاعدة بيانات عن الأسر الفقيرة في مصر تشمل 8,5 مليون أسرة تضم 31 مليون مواطن، كما ارتفعت أعداد الأسر المستفيدة من برامج الدعم النقدي لتصل إلى 3,81 أسرة بزيادة قدرها 523 ألف أسرة بزيادة قدرها 16٪، كما ارتفع إجمالي المستفيدين من 1,75 مليون مستفيد عام 2015 إلى 3,8 مليون مستفيد بنسبة 118٪.
وأخيراً يمكننا القول أن الدولة المصرية تبذل جهود عدة للتطوير والتعزيز المستمر لشبكات الأمان الاجتماعي التي هي جزءًا لا يتجزأ من مفهوم الأمن الإنساني. فقد أثبتت شبكات الأمان الاجتماعي فعالية عالية في التخفيف من الآثار الناجمة عن الأزمات وبناء القدرة على الصمود حتى لدى الأسر المعيشية الأشد فقرًا. كما تعد شبكات الأمان الاجتماعي وسيلة لتحقيق الأمن الاقتصادي خاصة، والأمن الإنساني عامة. وتعد أنظمة برامج حماية اجتماعية مناسبة للجميع على الصعيد الوطني هو أحد أهداف التنمية المستدامة المتمثل في إنهاء الفقر بجميع أشكاله في كل مكان.