بقلم: مصطفى محمد متولي
خريج معهد تكنولوجيا المعلومات 2009 ومدرب محترف من مايكروسوفت. ويعمل حاليًّا مدير أول مشروعات بنية تحتية تكنولوجية، واستشاري تحول رقمي وريادة أعمال.
إن فيروس كورونا المستجد، كان ولا يزال يمثل تحديًّا عملاقًا أمام كثير من الصناعات والمناحي الاقتصادية، ما بين اقتصاديات صناعة الرياضة والترفيه على سبيل المثال، وما بين اقتصاديات السفر والسياحة خاصةً، والتي تشمل حراكًا وتجمعًا بشريًّا بشكل مباشر وغيرها من القطاعات المتباينة.
إلا أنك قد تلحظ في هذه الأثناء ظهور بعد ثقافي جديد، خاصةً في مصر لدى أصدقائك العاملين في جهات إدارية حكومية، بعدًا يرتبط ببدايات حقيقية للتحول الرقمي كثقافة. فصديقك في تلك الجهة الحكومية مشغولاً غدًّا بإتمام دورة تدريبية في مجاله، ولكن من خلال استخدام تطبيقات الاجتماعات الرقمية الحديثة، مثل زووم (Zoom) أو ويب إكس (Webex) أو مايكروسوفت تيمز (Microsoft Teams).
لا تتعجب، بل حاول أن تطمئن نفسك؛ فإن هذا الأمر يعتبر وقودًا ذا خلطة سرية وسحرية، وسيحرك قطار التنمية الاقتصادية والإصلاحات الإدارية بشكل أفضل ما تتخيلت. فقد أصبحت التحديات، مثل جائحة كورونا، فرصًا لقطاعات أخرى لنشر ثقافات وآليات الرقمنة والتحول الرقمي وحسن إدارة الوقت كذلك.
ولكن مهلاً؟ ما علاقة كل ذلك بالعنوان؟ فأين الجمهورية الجديدة وما علاقتها بالتحول الرقمي أو علاقتها بالاقتصاد؟ وسأحاول في السطور القادمة أن أسرد لك كافة الخيوط بشكل متسلسل لتنسج بها ما يمكنك رؤيته واقعًا كجمهورية جديدة.
الاقتصاديات الجديدة والعالمية وقودها المعلومة؛ حتى تستطيع التحليل والتدقيق واتخاذ القرار. بل والتنبؤ بفوائد وتكاليف وأضرار كل قرار وكل احتمالية، فيما يعرف إختصارًا «بمنظومة دعم واتخاذ القرار». وقد بدأ هذا الأمر بوضع حجر أساس تشييد وإنشاء عاصمة إدارية جديدة للدولة المصري، بناءً على معلومة تفيد عدم كفاية وجاهزية المرافق في العاصمة العتيقة استعدادًا للمساعى الأقتصادية الجديدة. فكيف نريد أن ننهض بالاقتصاد المصري على أساس بنية تحتية غير جاهزة في العاصمة القديمة. ومن هنا، جاء اتخاذ القرار المبني على الأدلة بضرورة توجيه الطرف إلى كيان إداري عالمي، يحوى قلب الجمهورية الجديدة من جهاز إداري جديد، ومن مقر القيادة المركزية للدولة، وكذلك أحياء متخصصة ما بين المال والأعمال والمعرفة، وما بين الدبلوماسية المتعددة متقاربة المسافات لضمان توفير وقت ومجهود التحرك والتأمين، وضمان وجود بوتقة متكاملة من الكيانات الإدارية والاقتصادية والدولية.
ما سبق يُعد رائعًا، ولكن كيف يمكن أن نستغل موارد وأصول الدولة الأساسية غير المستغلة التابعة لجهات حكومية متعددة؟ وكيف يمكن حصرها وتقدير قيمها، ونحن لا نملك لها بيانًا محققًا وحصرًا شاملاً؟ وكيف يمكن استغلالها من بعد إتمام ذلك الحصر؟
ومن هنا قامت وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، واسمها حاليًّا وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، بتصميم وتطوير منظومة رقمية لحصر أصول الدولة غير المستغلة، وتسجيل كافة بياناتها من الجهة المالكة، وبيان حالة الاستثمار بها، بل وربطها بمركز بيانات المعلومات الجغرافية لبيان حدودها وحالة التعديات عليها من عدمه. وتعتبر هذه القفزة النوعية في إدراك وتحليل مقدرات الدولة بشكل رقمي يساعد بشكل كبير على الخطوة التالية، وهي تأسيس صندوق مصر السيادي والذي بدوره سيبدأ في استثمار واستغلال تلك الأصول السابق حصرها، وهي أيضًا أصولاً تشمل تلك المقرات الإدارية الحكومية القديمة، التي ستُفرغ عن بكرة أبيها بعد العبور الثاني، نحو الجمهورية الجديدة، في عاصمة مصر الإدارية الجديدة بنهاية 2021 أو منتصف 2022.
ولكن كيف يمكن الانتقال للعاصمة الإدارية الجديدة بأخطاء الماضي الرقمية والإدارية؟ وقد كانت الإجابة السريعة الحاسمة كالعادة بضرورة الاستعداد بمعرفة الكوادر الحقيقية الوطنية الفعالة في الجهاز الإداري الجديد، بل واكتشاف الكوادر المؤهلة لتصبح كذلك عند إتمام التدريب لها. فتسارع الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة في إنتاج قانون الخدمة المدنية بلائحته التنفيذية، وبدأ في تحديث بيانات الموظفين في الجهاز الإداري للدولة، وخلق قواعد بيانات متكاملة ما بين بيان القدرات والمؤهلات وما بين المسئوليات الحالية لكل موظف، والمسئوليات المنتظرة منه في العاصمة الإدارية الجديدة، ونتج عن ذلك كله برامج تأهيل المسئول الحكومي المحترف الذي يعتمد على التطوير والتدريب كافة، والتأهيل والاستعداد للدولة الرقمية الحديثة على وجه الخصوص. وتم عقد اختبارات عدة في هذا الصدد في مراكز القدرات والتدريب المختلفة التابعة للجهاز المركزي للتنظيم والإدارة وشرعت الأكاديمية الوطنية للتدريب في استكمال تلك البرامج، لضمان تأهيل العاملين المنتقلين للجهاز الإداري الرقمي الجديد في العاصمة على أعلى مستويات التأهيل، بل وتم تصميم برامج متكاملة لكافة قطاعات الدولة.
وقد تنبهت الدولة إلى ضرورة حسن الاستثمار الآمن في تكنولوجيا المعلومات والرقمنة والتحول الرقمي من تجهيز الكوادر البشرية المتخصصة، فما كان من وزارة الاتصالات بكافة الجهات التابعة، إلا بتركيز التدريب والتأهيل ومنح أعلى الشهادات المجانية، بالتعاون مع كبرى الشركات والمعاهد والجامعات لضرورة تكوين جيش رقمي لمصر، يكن لها درعًا في مواجهة التحديات العالمية، ويكن لها ذراعًا في تنفيذ الإصلاحات الإدارية والاقتصادية. كما تنبهت الدولة إلى أهمية مركزية مراكز البيانات والمعلومات الأساسية للدولة، والتي يتم تجهيزها لتكون في مقر القيادة الاستراتيجي للدولة، كعقل مصر الرقمي المؤمن الذي يحوي بيانات الدولة كافة وتم تجهيزه في العاصمة الإدارية الجديدة. فهذه الجمهورية الجديدة تأبى إلا وأن تكون على أهبة الاستعداد العلمي والتكنولوجي للاستفادة بمقدرات الدولة من أصول ومن موارد بشرية شابة فتية. وتضمن مركزية مراكز البيانات ترشيد الإنفاق المتكرر والمتعدد في الجهات الحكومية المتناثرة كجزر منفصلة؛ فيتم الآن تركيز تلك الميزانيات بشكل مجمع لخدمة الجهاز الإداري الجديد رقميًّا بشكل أكثر ترشيدًا وكفاءةً. وبذلك بدأت كافة القطاعات، وعلى رأسها القطاع الخدمي للمواطن في نشر الخدمات الرقمية من خلال بوابة مصر الرقمية، وتكامل ذلك مع المراكز التكنولوجية لخدمات المحليات. وفي الطريق إلى ذلك، عبر الجميع ببوابة مصر المعرفية الرقمية: بنك المعرفة المصري، الذي يعتبر من باكورات توفير العلوم لكافة أبناء الشعب المصري.
وهنيئًا لكافة العاملين في مشروعات الإصلاح الإداري للجمهورية الجديدة استنادًا إلى زملائهم العاملين في الرقمنة والتحول الرقمي لبناء دولة حديثة تتخذ القرارات بناء على المعلومات الرقمية المتكاملة المتوافرة لحظيًّا. فإن مصر لديها الآن كافة الإمكانات للحصول على تذكرة المرور إلى درجة أفضل 30 دولة على مستوى العالم بحلول 2030 في حال استمرار الإصلاحات الإدارية والاقتصادية الحالية واستمرار العمل والبناء إن شاء الله.