بقلم: محمد رشدي
أصبحت التكنولوجيا الحديثة هي الأدوات التي يرتكز عليها علم الآثار في مختلف مراحل العمل الأثري من الاستكشاف وحتي التوثيق والترميم والصيانة.
وقبل تطوُّر الأساليب الجيوفيزيائية الحديثة، قام علماء الآثار باستخدام الأسلوب التقليدي للحفائر والمعتمد علي نظام شبكات التنقيب، والتي تشمل تقسيم مساحة من الموقع الي مربع كبير يحتوي عدة مربعات أصغر عادةً ما تكون 100سم × 100سم. ويطلق علي كل مربع وحدة ثم يقوم علماء الآثار بعمل ما يعرف بالمسح الأثري للموقع بشكل متتالي ومتسلسل لرصد وتسجيل أي شواهد أثرية بالموقع، ثم يقومون بالحفر بشكل ممنهج من طبقة إلى طبقة أخرى من الأرض، ومن وحدة إلى الوحدة التالية، والتي قد تكون على بعد 10 إلى 20 مترًا.
ومع التقدم التكنولوجي توجه علماء الآثار والمستكشفين لاستخدام وتطويع تلك الأدوات التكنولوجية في الأعمال الأثرية واستكشاف الماضي لما لها من دور بارز في تيسر أعمال التنقيب والاستكشاف؛ حيث توفر الوقت والجهد بل وتعطي نتائج هامة تتمثل في معلومات محددة وموثوقة.
ومع تنوع وتعدد التكنولوجيا الحديثة أصبح علماء الآثار من أكثر المستخدمين للأدوات والتطبيقات التكنولوجية المستحدثة، ودائمًا في سباق للحصول علي تلك الأدوات، حتي يتسنى لهم الكشف عن مزيد ومزيد من الاكتشافات العلمية وحل ألغاز الماضي.
هذا المقال يتناول جانب من استخدامات التكنولوجيا الحديثة في مجال علم الآثار المعروفة بالجيوفيزياء الأثرية، وهي عبارة عن أساليب لجمع البيانات التي تسمح لعلماء الآثار بمسح ورسم خرائط للسمات الأثرية الأساسية تحت طبقات التربة، والتي يستحيل اكتشافها باستخدام الأساليب الميدانية التقليدية؛ حيث يمكن لعلماء الآثار الاستفادة من التغيرات الفيزيائية والكيميائية للعناصر الموجودة تحت التربة وتحديد وقراءة صورة بيانية لتلك العناصر .
يعتبر الرادار المخترق للأرض أو GPR نظام يستخدم في الجيوفيزياء لمسح المعلومات داخل الأرض ورسم خرائط لها وتسجيلها. واعتمدت عليه عديد من البعثات العلمية الاثرية في الاستكشاف، وهو شائع أيضًا في المجالات العلمية الأخرى؛ مثل الدراسات البيئية والجيولوجيا وحتى الهندسة المدنية.
يعمل رادار GPR عن طريق إرسال ترددات صغيرة من الطاقة إلى التربة عبر هوائي، ويقوم بمعالجة البيانات الخاصة بالقوة والوقت اللازمين لعودة الترددات المنعكسة، ونتيجة للاختلافات تحت السطحية للتربة والناتجة عن العناصر الموجودة بداخلها. فتظهر انعكاسات يتم التقاطها بواسطة النظام وتخزينها على وسائط رقمية، ويعتبر رادار GPR أكثر التقنيات الجيوفيزيائية دقة وأعلاها جودة. فهذا النظام يعمل بشكل أفضل في التربة الرملية الجافة ذات المحتوى القليل من الملح، مقارنة بالسواحل حيث يوجد نسبة عالية من الملح، مثلما هو الحال في المستنقعات الملحية ويصعب اختراق التربة الكثيفة القائمة على الطين باستخدام رادار GPR.
للاستخدام الامثل لهذا النظام يجب على مستخدمي GPR جمع المعلومات الصحيحة قبل البدء في المسح والتخطيط بعناية للحصول على أعلى دقة في تغطية النسبة المئوية لكل موقع محدد، واستخدام المعالجة اللاحقة القائمة على التطبيقات والبرمجيات .
كما يستخدم ERI لرسم خرائط عمق التربة والصخور.ويتطلب وضع أوتاد في الأرض وقياس المقاومة الكهربائية، ويجب أن ينشئ الفنيون صفًا من حوالي 24- 48 مستشعرًا (أوتادًا معدنية) بطول الأرض في خط مستقيم؛ حيث يتم جمع المعلومات فقط على طول هذا الصف الواحد ويعمل هذه النظام بشكل جيد في التربة الطينية. ولكنه يستغرق وقتًا أطول وتكلف أكثر للحصول على تغطية البيانات المطلوبة من رادار GPR.
المقاييس المغناطيسية هي أجهزة استشعار سلبية تقيس قوة المجال المغناطيسي، وأحيانًا اتجاهاته من خلال اكتشاف الاختلاف في المجال المغناطيسي للتربة، يمكن لمقياس المغناطيسية أن يشير إلى موقع اللقي الأثرية المصنوعة من المعادن أو حتي أساسات الأبنية المشبعة بعنصر الحديد. لذا يستخدمها علماء الآثار لقياس النشاط البشري الذي يزيد المغناطيسية. فعلى سبيل المثال، تحتوي حفر النار القديمة على قراءات مغناطيسية أعلى، مثل الطوب وحفر التخزين وحتى الخنادق القديمة. وتقوم المقاييس المغناطيسية بعمل جيد في العثور على الأجسام المعدنية، لكنها لا تقدم معلومات عمق دقيقة مثل التي قدمها رادار GPR.
تقيس أجهزة الحث الكهرومغناطيسي (EM أو EMI) التغير في المعاوقة المتبادلة بين زوج من الملفات على سطح الأرض أو فوقه. تتكون معظم أدوات EM من مجموعتين أو أكثر من الملفات، متصلة كهربائيًّا ومفصولة بمسافة ثابتة. ويمكن للأجهزة الكهرومغناطيسية فحص ظروف التربة وتحديد موقع الأشياء الموجودة تحت سطح الأرض مكانيًا في وقت واحد، ولكنها لا توفر معلومات عمق جيدة.
وفي النهاية نقول أنه سيظل علماء الآثار في حالة اشتياق ونهم لاستخدام جميع الأدوات والتقنيات التكنولوجية الحديثة، وذلك لتحقيق الأدلة وجمع المعلومات والبيانات التي تستنطق الأرض وتجعلها تبوح عما بداخلها من أسرار ومكتشفات منبثقة من حضارات غابرة كاشفة بذلك الماضي لنعيد ما كُتب في التاريخ أو ربما نعيد كتابته.