بقلم: أسماء رفعت
باحث اقتصادي بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
بدأت الدولة المصرية تنفيذ سياسات الإصلاح الاقتصادي منذ عام 2016 من خلال إطلاق البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي، والذي هدف إلى رفع معدلات نمو الاقتصادي وتحقيق نمو شامل ومستدام، وزيادة تنافسية الاقتصاد المصري، وبناء اقتصاد قوي قائم على المعرفة والتحول الرقمي، وتحفيز الاستثمارات من خلال الإصلاحات الهيكلية وتعزيز المساءلة ومحاربة الفساد، وإصلاح الاختلالات المالية بالموازنة العامة للدولة، فضلاً عن الإصلاحات النقدية وزيادة الاحتياطيات من النقد الأجنبي. وقد تضمن البرنامج بعدًا اجتماعيًّا للحول دون أن تؤثر سياسات الإصلاح الاقتصادي على الطبقات الفقيرة، وذلك من خلال مد مظلة الحماية الاجتماعية وإصلاح منظومة الدعم لضمان وصوله إلى مستحقيه.
وقد جاءت مؤشرات الاقتصاد المصري تعكس نجاح البرنامج في تحقيق أهدافه، كما مكنت تلك الإصلاحات الاقتصاد المصري من الصمود امام جائحة فيروس كورونا المستجد وما فرضته من تداعيات سلبية على الاقتصادات العالمية والمحلية. وقد بات ذلك جليًّا من خلال إشادة المؤسسات الدولية بأداء الاقتصاد المصري خلال عام الجائحة، ومدى تحمله لتداعيات جائحة كورونا بفضل ما حققه من تطور خلال الفترة من 2016 إلى 2019. ومن هذا المنطلق، يستعرض المقال مقتطفات يمكن من خلالها الاستدلال على ثقة المؤسسات العالمية بالاقتصاد المصري.
تمويل صندوق النقد الدولي للبرامج الوطنية للإصلاح الاقتصادي
انعكست ثقة المؤسسات الدولية في الاقتصاد المصري، بدءًا من قيام صندق النقد الدولي بتمويل البرنامج الوطني للإصلاح الاقتصادي عام 2016، وذلك على الرغم من عديد من الاختلالات الاقتصادية التي شهدتها الفترة من 2011 إلى 2016؛ حيث انخفض معدل النمو الاقتصادي من 5.1% عام 2009/2010 إلى 2.9% عام 2013/2014، وارتفعت معدلات البطالة من 9.2% عام 2010 إلى 13.4% عام 2014، وتفاقم معدل التضخم حيث سجل 29.5% عام 2017، وتدهورت قيمة الجنية المصري، وتدهورت احتياطيات النقد الأجنبي قبل تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016، وارتفاع عجز الموازنة العامة بعد أن بلغ العجز الكلي 12.5% عام 2015/2016.
ولكن رغم تلك المؤشرات، عقدت مصر اتفاقًا مع صندوق النقد الدولي تم بموجبه إقراض مصر 12 مليار دولار على ستة شرائح تسلمت مصر الشريحة الأخيرة منه في أغسطس 2019، الأمر الذي يعكس ثقة صندوق النقد الدولي في قدرة الاقتصاد المصري على مواصلة نموه والوفاء بالتزاماته.
وقد شهد عام 2020 محطة أخرى تعكس ثقة صندوق النقد الدولي في الاقتصاد المصري؛ ففي يونيو 2020 وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على دعم برنامج الإصلاح الاقتصادي أثناء أزمة كورونا بعقد اتفاق للاستعداد الائتماني لمدة 12 شهرًا بقيمة 3.7 مليار وحدة من حقوق السحب الخاصة، أو ما يقدر بنحو 5.4 مليار دولار أمريكي، وبنسبة 184,8% من حصة عضوية مصر في الصندوق.
التوقعات العالمية بشأن نمو الاقتصاد المصري خلال عام الجائحة
توالت توقعات صندوق النقد الدولي بشأن الاقتصاد المصري، فكان آخرها في يوليو 2021، اذ توقع الصندوق نمو الاقتصاد المصري بنسبة 5.2% خلال العالم المالي 2021/2022 ويرتفع تدريجيًّا حتى 5.8% عام 2024/2025. كما توقع أن يصل حجم الاستثمار الأجنبي المباشر المتدفق إلى مصر نحو 8.6 مليار دولار خلال العام المالي الجاري، ويرتفع إلى 16.5 مليار دولار في 2024/2025. وتوقع الصندوق أن تصل الاحتياطيات الأجنبية إلى 47.6 مليار دولار عام 2022/2023، وتسجل 55.1 مليار دولار في 2024/2025. أما عن إيرادات قناة السويس، فتوقع أن تصل إلى 6.6 مليار دولار خلال العام المالي الجاري، وترتفع بمقدار مليار دولار في عام 2024/2025. أما بالنسبة لإيرادات السياحة، فتوقع الصندوق أن تصل إلى 8 مليار دولار خلال العام المالي الجاري وترتفع حتى 25 مليار دولار في 2024/2025.
مصر تحتل الوجهة الثانية عربيا في جذب الاستثمارات الأجنبية 2020
وعلى الصعيد العربي، أوضح تقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات أن مصر تحتل المرتبة الثانية، بعد الإمارات، ضمن قائمة الوجهات الأكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم العربي خلال عام 2020، وأشار التقرير أن مصر استحوذت على نسبة 14.5% من إجمالي الاستثمارات الموجهة للمنطقة والمقدرة بنحو 40.5 مليار دولار.
توقعات صندوق النقد العربي لمعدلات النمو في المنطقة العربية
أصدر صندوق النقد العربي في يوليو 2021 تقرير بشأن أداء الاقتصادات العربية خلال عام الجائحة، وقد أبرز التقرير انكماش الاقتصادات العربية بنسبة 5.2% خلال عام 2020، إلا أن الاقتصاد المصري كان الاستثناء الوحيد بفضل المرونة الاقتصادية الناجمة عن الإصلاحات الاقتصادية التي تبنتها الدولة. كما ساهمت الوفورات المالية الناتجة عن إصلاح نظم دعم الطاقة في تبني التدابير اللازمة لمواجهة الجائحة. كما توقع الصندوق استمرار التعافي التدريجي للاقتصاد المصري، وتوفُّر مخزون كافٍ من السلع الاستراتيجية، واستقرار سعر الصرف واحتواء الضغوط التضخمية.
عودة السياحة الروسية لمصر
وعلى مستوى الدول منفردة، فقد شهد شهر يوليو الماضي رفع الحظر المفروض على تسيير الرحلات الجوية الروسية الى مصر، بعد توقف حركة السياحة الروسية لمصر منذ عام 2015. وقد جاء ذلك القرار بعد بذل الجانب المصري عديد من الجهود طوال الأعوام الستة الماضية لاستعادة التأمين وتعزيز معايير الأمان والسلامة، وذلك بإشادة من جانب الوفود الأمنية الروسية التي توافدت على المطارات المصرية خلال السنوات الماضية. ويتوقع مع عودة السياحة الروسية تشجيع عديد من الدول الأخرى على إرسال رحلاتها للسياحة في مصر، بعد أن اجتازت وزارة الطيران والمطارات المصرية خلال الفترات الماضية عديد من التفتيشات الدولية، لتثبت أن مطاراتها مؤمنة دون تدوين أية ملاحظات.
توقعات مؤسسة فيتش لمعدلات النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا
وأخيرا وليس آخرًا، أصدرت وكالة التصنيف الائتماني «فيتش» في يوليو 2021 تقريرًا بشأن توقعات النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وأبرز التقرير أن نسبة النمو الإجمالي المتوقعة للمنطقة خلال عام 2021 تقدر بنحو 3.6%، في حين توقع أن يكون ينمو الاقتصاد المصري خلال عام 2021/2022 بنحو 5%، ويرتفع إلى 5.5% خلال عام 2022/2023. كما أوضح التقرير أن الاقتصاد المصري يعد واحدًا من الاقتصادات القليلة عالميًّا التي حققت نموًا عام 2020 رغم تفشي جائحة كورونا.
ووفقًا لوكالة فيتش، يتوقع أن تكون مصر الأعلى نموًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على مدار الأعوام الأربعة القادمة من 2021 إلى 2025). وقد أوضح التقرير أن الاستهلاك الخاص هو الدافع الرئيسي للنمو الاقتصادي في مصر؛ وذلك بفضل تدفق تحويلات العاملين بالخارج، مع التحكم في معدلات التضخم، الأمر الذي دعم القوى الشرائية للعملة المحلية.
أما عن التصنيف الائتماني لمصر، فقد تمكن الاقتصاد المصري من الحفاظ على التصنيف الائتماني له عند مستوى B2 وفقا لوكالة موديز، ومستوى B وفقًا لوكالة ستاندرد آند بورز، وB+ وفقًا لوكالة فيتش مع الإبقاء على النظرة المستقبلية المستقرة للاقتصاد المصري، بما يعكس ثقة وكالات التصنيف الائتماني في قدرة الاقتصاد المصري، رغم التعرض للصدمات الخارجية والداخلية الناتجة عن الجائحة.