بقلم: محمد عبدالحكيم
لطالما صُنفت مصر ضمن أهم دول العالم في السياحة الثقافية. ولم لا؟ فمصر تملك آثارًا تؤرخ الحضارة الإنسانية خطوة بخطوة. فالبداية كانت على يد قدماء المصريين مرورًا بالحضارة اليونانية الرومانية، ثم الحضارة القبطية ويليها الحضارة الإسلامية، انتهاءً بالمقتنيات الحديثة والمعاصرة.
ولأنها مصر، فلا يتوقف إرثها من التاريخ فقط عند التراث المادي الملموس، بل يمتد لجوهر الشخصية المصرية الحاملة لجينات فريدة تفاعل فيها عنصري الزمان والمكان، ليزداد ذلك الإرث ثراءً بالتراث غير المادي، شاملاً الفن والثقافة والمعتقدات والروحانيات.
اعتمدت مصر، ولعقود ممتدة، على المقومات السابقة في جذب ملايين السياح والزائرين عبر الزمن للتمتع بآثارها المتنوعة الشامخة عبر العصور. ولكن مع تراجع حركة السياحة الثقافية عالميًّا وقلة المهتمين من المسافرين عبر العالم بزيارة المواقع الأثرية والمتاحف لصالح السياحة الشاطئية والترفيهية وسياحة التسوق، كان لزامًا على مصر مواكبة تلك التغيرات ومجاراة المعروض العالمي من برامج ومنتجات سياحية معدلة أو مستجدة تلبي الطلب الدولي حفاظًا على فرصها في المنافسة ولزيادة حصتها من إجمالي حركة السياحة العالمية، وتنفيذًا لرغبة الدولة في زيادة مواردها من هذا القطاع والاعتماد على دخله في بناء اقتصاد قوي يليق بالجمهورية الجديدة.
فالمنتج السياحي العالمي، وفقًا لمنظمة السياحة العالمية، يحتوي على أكثر من ستين نوعًا من السياحة يتبدل ترتيبها من حيث إقبال السائحين عبر العالم بشكل دائم ومتسارع وغير منتظم. ولكن يمكن دراسته والتنبؤ بنمطه وفقًا لمؤشرات عديدة ديموغرافية واجتماعية وغيرها. وبناءً على الأنماط السائدة في الوقت الراهن والمتوقعة على المدى القريب والمتوسط، تبني الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمنظمات الدولية استراتيجياتها وتضع الخطط التنفيذية لتحقيق أهدافها في هذا السوق العالمي.
ولا تتوقف مواكبة حركة السياحة العالمية على نوع المنتج السياحي المعروض فحسب، بل تمتد أيضًا إلى طريقة طرحه أو تقديمه. فالطرق التقليدية لحجز الرحلات السياحية من قبل العملاء اعتمادًا على الوكلاء السياحيين وشركات السياحة في طريقها للاندثار لصالح التطبيقات التكنولوجية على المتاجر الإلكترونية ومنصات الحجز والدفع الإلكتروني. ومن هنا تبرز أهمية استخدام علم تحليل البيانات والاعتماد على الذكاء الاصطناعي في التعامل مع مدخلات محركات البحث وسلوك المستخدمين في البحث عن الوجهات والبرامج السياحية لمعرفة التوجه السائد والنمط السياحي الأكثر طلبًا من العملاء، وتفصيل برامج سياحية، وباقات تلبي تلك الرغبات اعتمادًا على الشراكات متعددة الأطراف بين جميع مقدمي الخدمات السياحية.
بناءً على ما سبق يتضح أن أولى خطوات الدولة المصرية لمواكبة التغيرات والتقلبات في حركة السياحة تبدأ بتقييم الوضع الراهن عالميًّا ومحليًّا، بمعنى أدق، ماذا نمتلك من منتجات ومقومات سياحية؟ وما توجهات الطلب العالمي؟ على أن يتم إعادة التقييم بشكل دوري مستمر وعلى فترات زمنية متقاربة تُقيَّم خلالها جميع البرامج السياحية المقدمة لتعزيز الناجح منها وتطوير ودعم البرامج القابلة للنجاح واستبدال ما لم يحقق العائد المرجو منه واستبداله بأفكار وبرامج جديدة تلبي الطلب العالمي.
وبالفعل بدأت الحكومة المصرية بتطبيق السياسة السابقة، وأصبح لديها استراتيجية للترويج السياحي لمصر بناءً على دراسات وإحصائيات تم تجميعها وتحليلها بدقة، وربطها بالأهداف الوطنية والأممية للتنمية المستدامة. ولعل أبرز الخطوات التنفيذية لتلك الاستراتيجية هي استحداث أنواع جديدة من السياحة على المنتج المصري مثل السياحة المستدامة، وسياحة المعارض، وسياحة اليخوت، والسياحة الدينية متمثلة في «برنامج مسار العائلة المقدسة»، علاوة على دمج برامج السياحة الثقافية والسياحة الشاطئية اعتمادًا على ثورة الإنشاءات والتقدم الملحوظ في البنية التحتية من شبكة طرق ومرافق تخدم جميع قطاعات الدولة بما فيها قطاع السياحة والسفر واتجاه الدولة لربط وادي النيل الغني بالمزارات الأثرية بالشواطىئ والمنتجعات السياحية القريبة منها بشبكة مواصلات حديثة تليق بالخدمة المراد تقديمها وخطوط طيران اقتصادية تشجع السياح والمسافرين على استخدامها.
أما العنصر الأبرز والأهم في منظومة السياحة ككل، وهو العامل البشري، فلابد من إعادة النظر فيه ككل؛ حيث تتطلب الضيافة والتعامل مع السائحين أو الزائرين المحليين حركة ثقافية وتوعوية لجميع المتعاملين بالقطاع، تبدأ بتطوير المناهج التعليمية للخريجين المرشحين للعمل بالقطاع، والتدريب المكثف للقائمين فعليًّا بالعمل وإصدار تراخيص تسمح فقط للمؤهلين المعتمَدين للتعامل مع السائحين بعد إدراجهم في قاعدة بيانات موحدة. على أن تمر كل تلك المنظومة بالتقييم المستمر وتنتهي بمبدأ الثواب للملتزمين والعقاب للمخالفين.
وختامًا، جدير بالذكر أن قطاع السياحة المصري يواجه عديد من التحديات المحلية والدولية التي تقتضي المرونة والسرعة في التعامل معها تحقيقًا للأهداف المنشودة في هذا القطاع الحيوي.