بقلم: إسلام القاضي
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وبريطانيا والصين وفرنسا على قوى المحور ألمانيا النازية وإيطاليا واليابان، ظهر الاتجاه نحو تدشين منظمة الأمم المتحدة، ووُضع هيكل لمختلف المنظمات التابعة لها كمنظمات مسئولة عن ترتيب الشأن الدولي. وفي عام 1948، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة «الإعلان العالمي لحقوق الانسان»، الذي تضمن حقوق الإنسان لأساسية التي يتعين حمايتها عالميًّا، ويأتي على رأسها الحق الأكثر جوهرية وهو «الحق في الحياة». وأظن أننا الآن في وقت حان فيه النظر إلى حقوق الإنسان بشكل واعٍ وأكثر نضجًا، بعيدًا عن الادعاء أو المزايدة التي سبق وأن استخدمها البعض لتحقيق مصالح سياسية أو أهداف تخريبية أو لأهداف أخرى.
أما عن مصر، وبعد مرور ما يزيد عن ثمانية أعوام على ثورة ٣٠ يونيو الوطنية الخالصة، وما جابهته من تحديات لتصحيح أوضاع مصر كدولة وكشعب، بل وكأمة. فلطالما تألمت هذه الأمة بالفعل؛ لأنها تعلم جيدًا أنها عاجزة وبعيدة عن تحقيق حقوق الإنسان بمعاييرها الدولية، نظرًا لقدراتها المحدودة من ناحية، بالإضافة إلى ما تواجهه من ضغوط وابتزازات من الداخل، ومن الخارج بطبيعة الحال، لتلبية هذه المتطلبات.
ويأتي على رأس هذه الحقوق والمتطلبات «الحق في الحياة» والذي يعني أن لكل فرد الحق في الحياة ما أن تتم ولادته، وهذا بحكم أنه «إنسان». وكان على مصر إذا أرادت توفير هذا الحق فقط، أن تخطي مصاعب كبيرة بدءًا من الهروب من الاقتتال الداخلي، أيًّا كانت أسبابه السياسية أو الأيدولوجية، أو فتنة تغذيها أطراف على حساب أطراف أخرى قد يكونوا أبناء الأمة نفسها من المدنيين يقاتلون بعضهم بعضًا.
ولكن نجت مصر في يوليو ٢٠١٣ من الدخول في نزاع أهلي محتدم ومستقطب لفئات الشعب. ولولا الحسم في وأد هذه الفتنة، لكانت وصلت الأوضاع في مصر إلى مستوٍ رهيب من سلب الحق في الحياة بين أبناء الأمة. وبشكل عام، تصدت القوات المسلحة المصرية لهذه الأزمة لرفع الأذى عن الشعب، وتحملت توابع فتنة كادت أن تصيب بنيان الوطن، بعد تراكمات متتالية على مدار السنين.
ومرورًا بالأعوام من ٢٠١٤ حتى ٢٠١٩، كان هناك تطور حقيقي وملموس على مستوى ضمان «الحق في الحياة» بشكل متجرد ليتم توفيره لأبناء الأمة المصرية، سواءً على المستوى السياسي أو الأمني أو حتى المستوى الاقتصادي والقضائي. وها هي الدولة المصرية، التي سبق وأن وجِّهت لها اتهامات بارتكاب إعدامات خارج نطاق القانون، تضع استراتيجيتها الوطنية الأولى والمتكاملة لتحقيق حقوق الإنسان بأبعادها المختلفة على مدار عدة سنوات قادمة.
فقد أعلنت اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، «الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان» والتي سوف العمل على تحقيقها في الفترة من ٢٠٢١ حتى ٢٠٢٥. تضمنت هذه الاستراتيجية أربعة محاور أساسية، وهي:
- الحقوق المدنية والسياسية.
- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
- حقوق الإنسان للمرأة والطفل والأشخاص ذوي الاعاقة والشباب وكبار السن.
- التثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان.
ولعل أبرز ما يميز هذه الخطوة هو القيام بتنفيذ هذه الاستراتيجية بممارسة وطنية تحترم تقاليد وثقافة المجتمع المصري، وتنظر بعين الأهمية إلى الوضع الإقليمي والأمني لمصر. وقد أشادت رئيسة المجلس الأعلى لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بهذه الخطوة.
وتشتمل الاستراتيجية على عديد من التفاصيل التي يمكن سردها على في سلسلة مقالات لاحقة. أما في هذا المقال، سأكتفي بتسليط الضوء على أول فقرة من المحور الأول وهو «الحق في المشاركة في الحياة السياسية والعامة وتكوين الأحزاب السياسية». فهو طرح جيد يركز على ضرورة التعددية السياسية، ويتضمن خطوات يمكن القياس عليها عن طريق تدريب ورفع مهارة الكوادر السياسية في مجال الانتخابات وتعزيز البيئة الداعمة لأنشطة الأحزاب.
ولا شك أننا بمجرد النظر إلى هذا المحور فقط، نجد أنفسنا أمام محاولة حقيقية وصادقة من الدولة المصرية لجعل مصر في مصاف أبرز الديموقراطيات الشمولية في العالم كله.