كتبت/ مريان طلعت
أتذكر جيدًا تلك الرحلة الأولى وهذا الحلم المستحيل.. نبدأ بالرحلة فى صيف٢٠١١م كانت أول مشاركة لي في قافلة طبية خدمية برعاية الكنيسة وبمشاركة المجتمع المدنى كانت القافلة لخدمة قرى الصعيد، وبالتحديد كانت فى قرية جبلية في صحراء مركز العدوة بمحافظة المنيا. كوني من أهل الصعيد فأنا أعلم أن الوضع ليس الأفضل ولكن الوضع فى هذه القرية كان كارثي، ولا أبالغ حين أقول كارثي، فلا توجد رعاية صحية، ولاتوجد منازل مجهزة، فكثير من المنازل بلا سقف وفى أفضل الأحوال يوجد سقف خشبي لا يحمى من أمطار وبرد الشتاء ولا شمس الصيف. رأيت مستوى من الفقر والعوز لم أره فى حياتي. لن أنسى مقولة سيدة قروية: “لو حد قرصه ثعبان بالليل هيموت على ما يوصل المستشفى”. وأخرى تبكى على حال ابنها المراهق الذي ينام الفجر ويستيقظ الظهر، فلا يوجد عمل يلتحق به، لذا تخاف عليه من أن يتحول لمريض نفسي. وهذه فتاة عشرينية جميلة تحكي لنا أن الشتاء السابق أسقط المطر سقف البيت المصنوع من الخوص.
رأيت عائلات كاملة تعيش فى منزل واحد لكل أسرة غرفة واحدة، أما دورة المياه مشتركة للجميع. والكثير والكثير من الحكايات المأساوية وبالطبع لا يوجد أى وسائل للترفية أو استغلال طاقة الشباب. وتساءلت وقتها أين الدولة؟ لماذا تركت الناس بهذا الشكل؟ أين حقهم في وطنهم؟
مواطنون بسطاء طيبون كانوا يمتنون لأي شخص أو جهة تقدم المساعدة أنذاك، فأصبحوا فريسة سهلة لأي فصيل غير وطنى يريد استغلال عوزهم، ويلقى بخدماته وأمواله وبالطبع أفكاره فى عقولهم وقد حدث ذلك بالفعل على مر عقود.
وقتها حلمت باليوم الذى أرى فيه الدولة قوية عادلة قادرة على رعاية أبنائها، وحلمت أن كل إنسان عايش فى البلد يأخذ حقه. ومرت السنوات وتوالت الأحداث وسافرت واستقررت بالقاهرة، وربما نسيت الموضوع كله. وفى صيف٢٠٢١م مررت بالطريق الصحراوى الغربى الذى يمر بالظهير الصحراوى لمركز العدوة، وتذكرت الرحلة الأولى و تفاصيلها المؤلمة. وبدأت أسرد لمن معي بالسيارة عن هذة الرحلة لا توقف عن الحديث فجأة؛ هناك شئ مختلف فكل شئ حولي تغير ولا يطابق روايتى. صمت في محاولة لفهم ما الذي تغير إلى أن رأيت لوحة مكتوب عليها المبادرة الرئاسية حياة كريمة. وهنا قلت لهم بكل فخر: “هي حياة كريمة فكرة شباب البرنامج الرئاسي وسيادة الرئيس اتبناها”. وقتها انتابني شعور بالفخر لا يوصف. وتذكرت السيدة البسيطة التي كانت تخشى أن تموت قبل الوصول للمستشفى فها هو طريق ممهد سريع، ثم تذكرت ذلك الشاب التعيس الذى كانت والدته حزينة من جلوسه بالمنزل طوال اليوم لأرى مجموعة من الشباب يلعبون مباراة في ملعب كبير نظيف جميل ومجهز.
المختلف والجميل في حياة كريمة أنها تتطرق لكل نواحي الحياة واحتياجات الإنسان وليس فقط مساعدات مادية، لكن مثلما قال الرئيس السيسي: “بندخل القرية مش بنخرج إلا لما نخلص بنبني بيوت، ونوفر رعاية صحية والجميل أننا نهتم بالرياضة ونوفر ملاعب ومراكز شباب لنخرج جيل من الشباب الأسوياء نفسيًا وجسمانيًا”.
معقول يكون الحلم يتحقق! إنها الجمهورية الجديدة، دولة واعية وفاهمة مسئوليتها تجاه أهلها، وأن أول خطوة لمحاربة التطرف والعنف هو الاهتمام بجودة حياة المواطن من جميع النواحي: كأن يجد سكن كريم وأن يستطيع ممارسة الرياضة، ويوجد مشروع صغير يعمل به.. بالطبع لم ينتهى العمل ولم نصل للمطلوب بنسبة١٠٠٪. وأعلم أنه مازال يوجد الكثير من العمل والتحديات لإصلاح عقود من الإهمال والتهميش والفساد ولكن أول الغيث قطرة، و حلمى الجديد هو زيارة ثانية لنفس تلك القرية الصحراوية لأرى أهلها يحيون حياة كريمة، وأثق أن حلمي سيتحقق قريبا..