بقلم: د. فتحي شمس الدين
تمثل وسائل الإعلام الوسيط الأبرز في نقل الأخبار والمعلومات والمعارف الإنسانية، والتي استطاعت وعلى مدار عقود طويلة أن تقوم بتحقيق هذا الأمر بصورة متميزة؛ حيث أصبحت وسائل الإعلام، المكتوبة والمسموعة والمرئية والشبكية، هي الوسيلة الأبرز في نقل الأحداث والفعاليات والأخبار. وفي ظل تطور البيئة الإعلامية التي أصبحت مفتوحة المصدر، بحيث يستطيع أي شخص أن يصنع مادة إعلامية، ومن خلال ظهور مفهوم «إعلام المواطن» الذي أصبح فيه المستخدم صانعًا للرسالة وللمستقبل معًا، معتمدًا على التفاعلية التي أتاحها الإعلام، خاصة الإعلام الجديد؛ فقد اختفت المعايير الإعلامية في تغطية الأحداث خاصة الحساسة منها، والتي يتمثل أبرزها في تغطية حوادث الانتحار، والتي تواري مع هذه التغطية كل القيم الإنسانية والمهنية التي يجب اتباعها؛ للحفاظ على مشاعر الجماهير من جهة، واحترام مهابة الحادثة من جهة أخرى، وعدم الترويج المباشر وغير المباشر للانتحار من جهة ثالثة. وهو الأمر الذي من الممكن أن يتأثر به عديد من المتلقين، خاصة الذين يعانون من أمراض نفسية.
وتشير مواثيق الشرف الإعلامية إلى مجموعة من المعايير يجب أن يلتزم بها من يقوم بتغطية حوادث الانتحار سواء كان إعلاميًا محترفًا أو مواطنًا هاوٍ، وهي المعايير التي يمكن الإشارة لأبرزها فيما يلي:
- يجب تغطية حوادث الانتحار في إطار تقديس واحترام الحق في الحياة، والمحافظة على النفس البشرية.
- عدم استخدام لغة تضفي إثارة على حوادث الانتحار أو تجعل منها مسألة طبيعية أو اعتيادية، ويجب دومًا بث رسالة صحفية أو إعلامية على أنها أمر سلبي ومرفوض ومضر لتجنب تكرارها من الآخرين.
- يتعين عدم اتخاذ حوادث الانتحار وسيلة لزيادة معدلات المشاهدة أو التفاعل؛ بل يتعين أن يكون الهدف دائمًا من النشر أو التغطية الإعلامية منع هذه المحاولات أو الحالات والتقليل منها.
- يتعين تجنب استخدام عبارات التمجيد أو الإعجاب أو التبرير أو الترويج لمثل هذه الحوادث؛ لتجنب تأثر الجمهور بها، ويجب الحذر عند صياغة العناوين والمانشيتات المتعلقة بها وعدم استخدام اللغة المثيرة أو الرنّانة، وتجنب أي شائعات حولها.
- يمتنع على وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية بث مقاطع الفيديو أو روابط التواصل الاجتماعي لحوادث الانتحار ومحاولاته كأصل عام، وعند وجود ضرورة قصوى لتغطية حوادث الانتحار، يتعين ما يلي:
- وضع رسالة تحذيرية تنبه الجمهور للمحتوى شديد الحساسية.
- عدم التشغيل التلقائي لمقاطع الفيديو أو روابط التواصل الاجتماعي، بل يجب الحصول على موافقة المتصفح قبل تشغيل المحتوى للتأكد من رغبته في مشاهدة المحتوى.
- عدم تكرار بث أو نشر الخبر دون داع.
- عدم تثبيت الخبر.
- يتعين عدم إبراز حوادث الانتحار أو إعطائها موضع الصدارة في النشر أو البث، بل يجب إعطائها أولوية متأخرة في حالة المواقع الإلكترونية في ترتيب العرض أو مكان النشر.
- يتعين اتخاذ حوادث أو محاولات الانتحار مناسبة لتحذير المجتمع من خطرها وأثرها السلبي على الفرد والأسرة.
- يتعين بذل مزيد من العناية عند تغطية حوادث الانتحار أو محاولاته بالنسبة للمشاهير أو الشخصيات المعروفة؛ فتمجيد الشخص المشهور قد يدفع إلى مزيد من حالات الانتحار في محاولة لتقليده.
- يتعين في نهاية تغطية حوادث أو محاولات الانتحار توضيح موارد وأماكن الدعم الطبي والنفسي والمجتمعي المتوافر، وذكر وسائل الاتصال وخطوط المساعدة الهاتفية والإلكترونية وغيرها لمواجهة مثل هذه الأزمات.
- يتعين تجنُّب الضرر النفسي الواقع على ذوي وأسر أصحاب حالات الانتحار أو محاولاته من جرِّاء التغطية الصحفية أو الإعلامية أو النشر. ويجب الحفاظ على خصوصيتهم بعدم ذكر بيانات الشخص الذي تَعرَّض للحادث أو عنوانه أو وسائل التواصل. وتجنُّب نشر أي تعليق أو تصريح لهم دون إذن مسبق منهم، أو الخوض في تفاصيل، بقدر الإمكان، لا تفيد القارئ أو المشاهِد أو المجتمع.
إن تغطية حوادث الانتحار وغيرها من الموضوعات ذات الطبيعة الخاصة؛ مثل تغطية جنازات المشاهير، تتطلب في الأساس أن يضع الإعلامي الاحترافي أو الهاوي المعايير الإنسانية في مقدمة أولوياته عند تغطية مثل تلك الأخبار. فيجب أن تكون المسئولية المجتمعية هي المنطلق الأساسي الذي ينطلق منه خلال تلك التغطيات؛ حيث أن تأثير الرسالة الإعلامية كبير على المتلقيين، سواءً من الجوانب النفسية أو المعرفية، بحيث يمكن أن تكون هذه الرسالة وسيلة للتوعية بخطورة؛ مثل هذه الأحداث والوقاية منها، أو تكون سبب في انتشارها وزيادة حدتها في المجتمع.