بقلم: د. جمال عبد الحميد
فى عام 1972 وبالتحديد يوم 8 يوليو، استيقظ شعب مصر على عناوين الجرائد المصرية بأن الرئيس السادات قد أصدر قرارًا بطرد خبراء الاتحاد السوفيتى من مصر. و قد أصيب العالم كله بالمفأجاة نتيجة هذا القرار. وقد شهد كل قادة وأبطال حرب أكتوبر بضرورة التخلص من وجود خبراء الاتحاد السوفيتيى قبل قيام الحرب، وهذا نتيجة أن وجودهم كان مصدر قلق وإزعاج أمني ومخابراتي.
هذا وقد قابل الاتحاد السوفيتي هذا القرار بقيامهم بمنع قطع غيار الأسلحة الروسية التي يستخدمها الجيش المصري؛ حيث أن كل الأسلحة لها عمر افتراضي ولابد من تغيير قطع الغيار التالفة. ومن أمثلة هذا قيامهم بمنع إمداد الجيش المصري بإطارات الطائرات المصرية. وهذا قد يؤدي إلى تعطل الطائرة نفسها. وقد نجح الطيارين المصريين في إيجاد حل لذلك من خلال تقليل حدة هبوط الطائرة لعدم استهلاك الإطارات الطيارة، وبذلك يمكن زيادة العمر الافتراضي للإطارات.
ولكن المشكلة الأكبر، كانت تكمن في سلاح الدفاع الجوي، خاصة في حائط الصواريخ؛ حيث أنه في ذاك الوقت يتكون من 85٪ من صواريخ سام، و2٪ و 15٪ من صواريخ سام 3؛ حيث أن تلك الصواريخ تعمل بوقود يتم إنتاجه في روسيا فقط. بالإضافة إلى أن له فترة صلاحية وبعد هذه الفترة سوف يصبح غير صالحًا للاستخدام. فأوقف الاتحاد السوفيتي توريد وقود الصواريخ لمصر، وهذا معناه توقف حائط الصواريخ عن العمل وتعطل جزء من أنظمة الدفاع الجوي.
ونتيجة لهذا، بدأت أجهزة القوات المسلحة المصرية والمخابرات المصرية في التحرك لمحاولة إيجاد حل لهذه المشكلة. وكان من بين هذه الحلول اللجوء للعقلية المصرية وكانت هذه مهمة المشير محمد علي فهمي؛ قائد قوات الدفاع الجوي؛ حيث كان برتبة لواء في هذه الأيام.
فقد قام المشير فهمي بالبحث عن حل لهذه المشكلة داخل أجهزة و معامل القوات المسلحة المصرية. وقرر توسيع دائرة البحث لتشمل العلماء المدنيين لتشمل مراكز البحوث والجامعات المصرية. و قد استقرت فترة البحث ما يقرب عامًا حتى شهر مايو عام 1973؛ حتى توصل إلى دكتور شاب بالمركز القومى للبحوث، محمود يوسف سعادة، قام بالبحث و إجراء التجارب إلى ما يقرب من 10 اشهر.
وأثناء اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة في شهر يونيو 1973، قام المشير فهمي بطلب ضم دكتور مدني، وبعد الموافقة عليه. توجهت سيارة عسكرية إلى منزل الدكتور محمود سعادة وطلب الضابط من الدكتور سعادة بالحضور معه إلى وزارة الدفاع.
وخلال شهر واحد نجح العالم المصري محمود سعادة في استخلاص ما يقرب من 250 لتر وقود جديد صالحًا للاستخدام من كمية الوقود منتهية الصلاحية الموجودة داخل مخازن القوات المسلحة المصرية. وقام بإحضار عينة من الوقود والأوراق البحثية الخاصة بالتجربة، وانضم إلى اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقام بشرح ما قام بعمله طوال الفترة السابقة وما تم التوصل إليه.
ببساطة قام العالم المصري بفك الشفرة المعقدة لمكونات الوقود و توصل إلى عوامله الأصلية، ونسب كل مركب في الوقود. وقام بتجميعها مرة أخرى وقام باستخلاص حوالي 250 لتر من الوقود الجديد. ووسط انبهار الحاضرين بالعقلية المصرية، أمر الرئيس السادات بإجراء تجربة عملية على أحد صواريخ الدفاع الجوى لاختبار مدى فاعلية الإطلاق. ونجحت التجربة بشكل مذهل.
وقام بعد ذلك جهاز المخابرات المصري باستيراد المكونات الداخلة في تركيب الوقود كمواد عادية من دول غير روسيا. وقاموا بدمج هذه المكونات داخل معامل القوات المسلحة المصرية ومعامل المركز القومى للبحوث. ونجحت مصر في إنتاج كمية كبيرة من الوقود ما يقرب 50 طنًا من وقود الصواريخ. وبذلك أصبح حائط الصواريخ مستعدًا للقيام بدوره فى عملية الهجوم إبان حرب أكتوبر.
وكانت مفاجأة كبيرة للاتحاد السوفيتي بعد ما رأوا بأعينهم أداء حائط الصواريخ أثناء حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 1973. وكان هذا نتيجة جهد وعرق أبناء مصر الذين بذلوا الجهد والدم والعرق من أجل رفع اسم مصر عاليًا.