بقلم: مصطفى متولي
مدير أول مشروعات واستشاري تحول رقمي
لا شك أن الحروب النفسية التي نعيشها مؤخرًا وآثارها، هي أشبه بخلايا سرطانية غير حميدة تنتشر في بنيان الشعوب والأوطان، وحروب دائرة بلا ذخيرة. فهل سمعت، عزيزي القارئ، عن حرب نفسية تُدار ضدك هدفها وأداتها الأساسية بث الخوف في نفسك من المجهول؟ فهذا يذكرنا عندما كنا صغارًا، وكنا نظن أن الغول يأتي مساءً، أو إنه ثمة شبحًا ما بالغرف المظلمة يتربص بنا دون أن نراه، ولا نقوى على أن نقدُم تجاه تلك الغرف المظلمة، خاصة وإن كنا بمفردنا. فما بالك بحروب نفسية تدار على مستوى الشعوب والدول هدفها خلق المخاوف وتعظيمها، وربطها بمخاوف ومخاطر أخرى، تصل إلى حد عرقلة المضي قدمًا.
وإن كنا نتحدث عن الحروب بشكل عام في بداية شهر أكتوبر، فلا يمكن أن نغفل الحديث يوم عظيم لمصر وهو ذكرى انتصار السادس من أكتوبر 1973، ونحن نحتفل بمرور 48 عامًا على يوم انتصار مجيد لوطننا، به مئات الدروس لنا ولأجيال قادمة.
ومن بين هذه الدروس، ما حدث بعد نكسة عام 1967؛ فقد عملت آلة الحرب والإعلام الإسرائيلية على هدم الروح المعنوية للقوات المسلحة المصرية وللشعب، وهو ما أدى إلى تشعُّب وتفاقم المشكلات الداخلية للجبهة المصرية، وضعف الروح المعنوية لدى القوات المسلحة؛ حتى أصبحت أشبه بخلايا غير حميدة تهاجم جسد الدولة داخليًّا، وبأيدي أبنائها.
ولعل هذا ما أدركته القيادة السياسية في مصر ما بين فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالخطب الحماسية وبناء حائط الدفاع الصاروخي وحرب الاستنزاف التي بها انتصارات تعزز وترفع الروح المعنوية، وما بين دهاء الرئيس الراحل أنور السادات في استغلال سلاح الحرب النفسية، ولكن بصورة عكسية ضد الإسرائيليين. فقد كان من بين أهم استراتيجات الانتصار في حرب أكتوبر 1973، تصدير الصورة السلبية والانهزامية للإسرائيليين، وأن يكون ذلك الشعور نابعًا من الشعب، حتى ولو كان على حساب شعبية الرئيس السادات الذي تمكَّن من الانتصار في الحرب بالانتصار أولاً في حرب المعلومات والشائعات وتصدير أخبار كاذبة بعدم قدرة الجيش على القتال أو استعداده لذلك، وأصبحت حربًا بلا ذخيرة، وقودها إشاعة الأخبار الكاذبة؛ لإيهام الإسرائيليين بأنهم على موعد مع دولة تحت خط الانهيار المعنوي والاستسلام لخط بارليف الذي لا يُقهر.
بعد صدمة الإسرائيليين بالعبور المصري المبهر في نهار رمضان 1973، أصبح لدى الإسرائيليين استراتيجية جديدة طويلة الأمد في التعامل مع العرب بوجه عام ومع مصر بوجه خاص؛ وهي إدارة حرب المعلومات. فمنذ قدم التاريخ، سيطر اليهود على المنظومات المالية والبنوك والتجارة بشكل عالمي، وقاموا بوضع أساسيات وبروتوكلات للتعاملات المالية والتجارية العالمية. ولكن لم يكن هذا كافيًّا من وجهة نظر الإسرائيليين في دراسة الشعوب العربية والسيطرة على مقدراتهم. فبدأوا في دراسة كيفية توسيع استخدام الإنترنت عالميًّا لزيادة التواصل بين شعوب العالم من ناحية، وبين الإمكانية على تحليل وتوجيه الشعوب من ناحية أخرى. وإن فيما نراه على منصات التواصل المجتمعي العالمية، وانتشار واسع للهواتف الذكية خير دليل على النصف الثاني من الجملة السابقة. فنجد أنه بداية من 2004 ومع ظهور منصات التواصل الاجتماعي: فيسبوك ويوتيوب وإنستجرام وصولاً إلى تيك توك، أصبحت الرأسمالية تحاول السيطرة على المستهلك من ناحية لتوجيه أوجه الصرف لديه على بنود وسلع معينة، حتى ولو لم يكن في حاجة إليها، فتم خلق الدافعية للوصول إليها، استنادًا إلى السلوكيات البشرية والنفسية والمجتمعية.
ومن ناحية أخرى، بدأ خلق مجموعة من المؤثرين والمحركين للرأي العام ليصبحوا كالقنابل الموقوتة والألغام التي يسهُل توجيهها ناحية أمور شائعة (trending) في أي لحظة، وفقًا للأجندات الخارجية وتفجيرها في الوقت المناسب.
فقد أصبح دور مواقع التواصل الاجتماعي، أو السوشيال ميديا (social media)، هو استغلال التطبيقات الإلكترونية والإنترنت للوصول لكافة المعلومات المرتبطة بالشعوب وتحليلها، وبدء توجيه الخدمات وخلق محتوى مؤثر شعوريًّا ولا شعوريًّا عليهم، مما يمكن أن يخلق معها ما يسمى بحراك الربيع العربي. وقد نرى جليًّا ما كان يحاك ضد المنطقة العربية عامة، ومصر خاصة، فيما يخص الأمن القومي للدول والحروب غير المدججة بالذخيرة التقليدية.
وقد نجحت مصر مجددًا بعد حرب 1973 في إلحاق هزيمة نكراء بالغرب، وخاصة إسرائيل، من خلال ثورة 30 يونيو 2013 باستخدام السلاح نفسه؛ ألا وهو الثورة الشعبية ضد الحكم الظالم؛ حكم الجماعة الإرهابية.
ومما قد يعزز من حديثي بخصوص برمجة منصات التواصل الاجتماعي لتصبح مادة مخدرة إدمانية، ما قام به مجموعة من العاملين بتلك المنصات، بعد أن تحرك لديهم الوازع الإنساني والأخلاقي لرفض مثل تلك الممارسات، بإعداد فيلم وثائقي، أنصحك بمشاهدته عزيزي القارئ، اسمه «المعضلة المجتمعية» (The Social Dilemma). ويوثق الفيلم آلية تصميم تلك المنصات ليدمنها الأفراد، وبالتالي يصبح الفرد كالدمية التي يتم تحريكها بخطوط خفية لا تُرى، فنجد منها مدخلاً خاصًا بالمتدينين، وآخرًا لمحبي الرياضة، وآخراً للمهتمين بمتابعة الموضة، وغيرهم من ضحايا هذه حرب بلا ذخيرة، أو حرب ذخيرتها الوحيدة هي الإنترنت والتطبيقات المبرمجة مجتمعيًّا للسيطرة على الشعوب وتوجيههم لأجندات دولية وخارجية تخدم الهدف نفسه، وهو السيطرة على مصر.
تحياتي لعقلك المستنير عزيزي القارئ، وأدعوك لرسم الصورة أكبر وأوسع لما يجري حولك والاطلاع على التاريخ وربط ما حدث من حرب نفسية ضد شعب مصر ما بين 67 و73، وما جرى في الوطن العربي من 2010 إلى 2013، لتتيقن أن ما يُحاك ضد دولة عظيمة كمصر التي لا ترغب إلا في أن تكون في مكانتها المستحقة؛ فهي صاحبة حضارة 7 آلاف عام، وأقدم دولة في التاريخ.