بقلم: د. حاتم الغزالي
تقود الدولة المصرية نموذجًا فريدًا من نوعه نحو تحقيق المفهوم الشامل لمصطلح «الأمن الغذائي»، وذلك في إطار تنفيذ مسارات التنمية التي وضعتها الدولة المصرية ضمن خطة التنمية المستدامة 2030.
يُشير مصطلح «الأمن الغذائي» إلى توفر الغذاء للأفراد دون أي نقص، والذي يتحقق بالفعل عندما لا يخشى الفرد الجوع أو أنه لا يتعرض له. ويستخدم الأمن الغذائي كمعيار لمنع حدوث نقص في الغذاء مستقبلاً أو انقطاعه إثر عدة عوامل تعتبر خطيرة، ومنها الجفاف، والحروب، وغيرها من المشاكل التي تقف عائقًا أمام تحقيق الأمن الغذائي.
ولا يعني «الأمن الغذائي» توافر الغذاء فقط، بل أيضًا إمكانية الحصول عليه، واستخدامه بشكل آمن. وأشارت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) لمفهوم «الأمن الغذائي» أنه يتحقق عندما «تتوافر لجميع الناس، وفي كل الأوقات، الإمكانات المادية والاجتماعية والاقتصادية؛ للحصول على غذاء كاف ومأمون ومغذٍّ؛ لتلبية احتياجاتهم التغذية وأفضلياتهم الغذائية؛ ليعيشوا حياة مفعمة بالنشاط والصحة».
وبناءً على ذلك، فقد تم وضع أسس لتحقيق الأمن الغذائي، والتي تتمثل في التوفر والذي يكمن في ضرورة توفر الغذاء بكميات تكفي لعدد الأفراد، وأن يكون ذلك من ضمن المخزون الاستراتيجي. ومأمونية الغذاء والتي تعني ضمان صحة الغذاء وسلامته وصلاحيته للاستهلاك البشري. بالإضافة إلى إمكانية الحصول عليه بأن تكون أسعار السلع والمنتجات في متناول يد الفرد أو إمكانية تقديمه للأفراد على شكل معونة للطبقات الأكثر فقرًا؛ وأخيرا الاستقرار، وهو ضرورة الحفاظ على أوضاع الغذاء، وضرورة توفر الأبعاد الثلاثة السابقة مع بعضها البعض دون أن يحدث عليها أي تغيير.
وبالنظر إلى النموذج المصري في تحقيق تلك الأبعاد التي تم ذكرها، فقد نجحت الدولة المصرية في تطبيق مفهوم الأمن الغذائي على المستوى الوطني من خلال التوفر حيث استطاعت الحكومة المصرية تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي زيادة إمدادات الغذاء على المستوى الوطني، وذلك عن طريق سلسلة ضخمة من المشروعات القومية التنموية بكافة أشكالها. ومن أهم هذه المشروعات مشروع إنشاء 100 ألف صوبة زراعية؛ حيث يعتبر من المشروعات القومية التي يشارك فيها عدد من الجهات، ويستهدف المشروع إنشاء مجتمعات زراعية تنموية متكاملة. يُقام على مساحة 100 ألف فدان، في 7 مناطق جغرافية مختلفة، وإنتاج 100 ألف صوبة بما يعادل إنتاج مليون فدان من الأراضي الزراعية التقليدية، ومنتجاتها كلها طبيعية «أورجانيك»، وفقًا للمواصفات والمعايير الدولية، فضلاً عن تعظيم الاستفادة من وحدتي الأرض والمياه، وإتاحة فرص عمل جديدة؛ حيث يوفر أكثر من 300 ألف فرصة عمل للشباب بمناطق الاستصلاح المستهدفة. بالإضافة الى مشروعات الاستزراع السمكي بمحور قناة السويس على مساحة 7500 فدان ومزرعة بركة غليون بمحافظة كفر الشيخ على مساحة 4100 فدان، والتي تعتبر أكبر مزرعة سمكية في الشرق الأوسط، وتمثل تلك المشروعات نهضة كبيرة في مجال الأمن الغذائي والطريق لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الثروة السمكية، بالإضافة إلى المفرخات، ومحطات الرفع والصرف، وأحواض المزج، والحضانات، والمنطقة الصناعية التي ضمت مصانع الثلج والفوم والبروسيسينج، والأعلاف، وفرز وتعليب وتغليف وتعبئة الأسماك. ومن اهم المشروعات القومية في الفترة الحالية هو مشروع المليون ونصف مليون فدان: وهو من بين أهم المشروعات القومية، ويعتبر جزءًا من الخطة التي تستهدف استصلاح 4 مليون فدان. وتقسم هذه المرحلة إلى ثلاثة أجزاء؛ 500 ألف فدان للزراعة، و500 ألف فدان لإقامات صناعات معتمدة على تلك الزراعات، و500 ألف فدان مخصصة للسكن ولصناعات أخرى. كما تم حفر 1000 بئر مياه، ويوفر ذلك المشروع 750 ألف وظيفة.
اما بالنسبة الى مأمونية الغذاء، فقد اقتدت الدولة المصربة بهذا النهج العالمي وتعاملت مع هذا البعد بأهمية كبيرة؛ حيث أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قانون رقم (١) لسنة ٢٠١٧ بإنشاء «الهيئة القومية لسلامة الغذاء»، ويستهدف تفعيل دور الهيئة الجديدة في إعداد منظومة متكاملة لتداول الغذاء سواءً كان منتجًا محليًّا أو مستوردًا، بما يسهم في الحفاظ على حقوق كلٍّ من المستهلك والمنتج على حد سواء؛ حيث ستتولى الهيئة الجديدة وحدها سلطة الرقابة على كافة مراحل تداول الغذاء. ويعد مجلس الإدارة هو السلطة المهيمنة على شئون الهيئة وتصريف أمورها، وله جميع السلطات والصلاحيات لإدارة الهيئة واتخاذ ما يراه لازمًا لتحقيق أهدافها.
وعند الحديث عن إمكانية الحصول على الغذاء فقد قامت الحكومة المصرية بطرح عديد من المبادرات لتوفير كافة السلع الأساسية بأسعار مخفضة بنسب تصل إلى 30٪؛ وذلك لتخفيف العبء عن كاهل المواطنين. ولعل أبرزها المبادرة الرئاسية «كلنا واحد». وأخيرا فعند الحديث عن البعد الهام وهو الاستقرار فبعد الخروج من ثورتين متتاليتين، استطاعت الدولة المصرية توفير كافة سبل الاستقرار للمواطنين ومكافحة الإرهاب من ناحية أخرى، بالإضافة إلى توفير مناخ مناسب للمستثمرين وعمل بنية تحتية قومية للنهوض بكافة القطاعات والنهوض باقتصاد مصر.
وخلاصة القول، جاء تعامل الدولة المصرية مع كافة الأبعاد الهامة لتحقيق مفهوم «الأمن الغذائي»، وذلك في إطار تحقيق سبل التنمية لتوفير حياة كريمة للمواطنين. كما تولي الحكومة المصرية، بل والعالم أجمع، أهمية كبيرة لملف الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع والمحاصيل الاستراتيجية، خاصة بعد ما شهدناه جميعًا من تداعيات جائحة كورونا. فالأمن الغذائي لم يعد خيارًا، بل جزءًا لا يتجزأ من تحقيق الأمن القومي للدولة.