بقلم: أمنية صلاح
على الرغم من الجهود المبذولة عالميًّا ومحليًّا بهدف تصحيح المفاهيم المغلوطة حول اضطراب طيف التوحد، إلا أنه لا تزال هناك كثير من المعلومات الخاطئة، والأسئلة حوله مما يعرض المصابون به في كثير من الأحيان للوصم والتمييز، والذي قد يصل إلى الحرمان المجحف من الخدمات الصحية، والتعليم، وفرص المشاركة في المجتمع.
ما المقصود باضطراب طيف التوحد:
هو اضطراب في النمو يمكن أن يسبب تحديات اجتماعية وتواصلية وسلوكية كبيرة، وبشكل عام تظهر أعراض الإصابة به في العامين الأولين من العمر. ويُعرف التوحد باسم اضطراب «الطيف»؛ نظرًا لوجود تباين شديد في نوع وشدة الأعراض التي يعاني منها المتوحديين؛ حيث يمكن أن تتراوح قدرات التعلم، والتفكير، وحل المشكلات لديهم بين قدرات استثنائية وقدرات متواضعة تستدعي الرعاية من الآخرين، وعلى الرغم من أنه اضطراب يصاحب المصاب به مدى الحياة، إلا أن العلاجات المتعددة يمكن أن تحسن من أعراضه، وقدرة الفرد على العمل والحياة.
تشخيص وأعراض اضطراب طيف التوحد:
واحد من بين كل 54 طفلًا في الولايات المتحدة يتم تشخيصه باضطراب التوحد، كما أنه أكثر شيوعًا بين الأولاد بأكثر من 4 مرات منه بين الفتيات، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية فإن التقديرات تشير إلى أن واحد من كل 270 طفل يعاني من اضطرابات طيف التوحد، وتمثل هذه التقديرات رقمًا متوسطًا ويتفاوت معدل الانتشار بدرجة كبيرة بين الدراسات، وما زال معدل انتشار اضطرابات طيف التوحد غير معروف في العديد من الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
من هنا تأتي أهمية التشخيص المبكر الدقيق، والذي قد يبدأ من عمر 18 شهرًا أو أقل؛ مما يساعد على إنشاء خطة علاجية من خلال تحديد نقاط القوة والتحديات التي تواجه الطفل، وذلك رغم صعوبة التشخيص؛ حيث إنه لا يعتمد على نتائج اختبار طبي مثل فحص الدم، ولكن يتم فيه الاعتماد على قيام المختصين من الأطباء والمتخصصين النفسيين والتربويين بمراجعة تاريخ وسلوك نمو الطفل، وتطور مهاراته الاجتماعية، وقدراته اللغوية.
ويعد التقييم متعدد التخصصات خطوة هامة جدًا؛ لتشخيص «اضطراب طيف التوحد» والتحديات التي عادة ما تصاحبه، ويشمل على سبيل المثال رأي متخصص في كلٍّ من: السمع لاستبعاد احتمالية فقدان السمع، واللغة لتحديد المهارات والاحتياجات اللغوية، ومعالج مهني لتقييم المهارات البدنية والحركية.
ووفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، وهو الدليل الذي أعدته الجمعية الأمريكية للطب النفسي؛ فإن الأشخاص المصابون بالتوحد يعانون من صعوبة في التواصل والتفاعل مع الآخرين، والتكرار لسلوكيات أو كلمات محددة، بالإضافة إلى الأعراض التي تؤثر على قدرة الطفل على الأداء بشكل صحيح في المدرسة، والعمل، ومجالات الحياة الأخرى، مما يوضح لنا أن الأطفال المصابين بالتوحد يعانون من صعوبات في ثلاث مجالات تطورية أساسية، هي العلاقات الاجتماعية، واللغة، والسلوك.
أسباب وعلاج اضطراب طيف التوحد
لا يوجد عامل واحد معروف باعتباره المسبب المؤكد للتوحد. ولكن هناك عديد من العوامل التي تجعل الطفل أكثر عرضة للإصابة به بما في ذلك العوامل البيئية، والبيولوجية، والوراثية، وبالرغم من عدم وجود علاج لاضطراب التوحد حتى الآن، إلا أن التدخل المبكر يمكنه أن يُحدث تغييرا ملحوظًا في مهاراتهم، ويشمل التدخل المبكر برامج تنمية المهارات، واللغة، والعلاج السلوكي، والعلاج الدوائي.
خرافات حول التوحد:
لسوء الحظ لا تزال هناك بعض المعتقدات الخاطئة الشائعة حول التوحد، والتي قد تؤثر على حصول من يعانون منه على الدعم الذي يحتاجون إليه، كما يمكن أن تؤدي إلى شعور بعضهم بالعزلة والوحدة، وتتضمن هذه المغالطات:
- أن اللقاحات تزيد من احتمالية الإصابة باضطراب التوحد:
لايوجد علاقة سببية بين اللقاح المضاد للحصبة، والنكاف، والحصبة الألمانية، واضطرابات طيف التوحد، ولا يوجد أيضًا دليل يرجح أن أي لقاح آخر للأطفال قد يزيد من مخاطر الإصابة به.
- الأطفال الذين يعانون من اضطراب التوحد لا يستيطعون الكلام:
بعض الأطفال المصابين بالتوحد قد يكون لديهم تأخر في الكلام أو قد لا يستخدمون الكلمات للتواصل، إلا أن العديد منهم تتطور لديهم المهارات اللغوية، ومن المهم أيضًا أن نتذكر أنه حتى إذا كان الطفل غير قادر على الكلام، فلا يزال لديه القدرة، والاحتياج، والحق في التواصل.
- الأطفال الذين يعانون من اضطراب التوحد أكثر عدوانية:
كما أكدنا سابقًا يختلف كل طفل عن الآخر. فقد يقوم بعض الأطفال ممن يعانون من التوحد بالصراخ أو الضرب عندما يكونون في حالة حزن، ويصدر ذلك السلوك منهم نظرًا لضعف مهارات التواصل، أو صعوبات التأقلم في البيئة الحسية.
- الأشخاص الذين يعانون من اضطراب التوحد غير قادرين على تكوين علاقات وصداقات:
أظهرت الدراسات أن معظم الذين يعانون من التوحد يريدون تكوين علاقات مع الآخرين، ولكنهم غالبًا ما يجدون صعوبة في فهم الإشارات الاجتماعية، فالعلاقات الانسانية «طريق ذو اتجاهين»، والنجاح بها ليس مسئولية طرف واحد فقط، لذا، يجب على من لا يعانوا من التوحد أن يكونوا أكثر مراعاة وتقبلاً للاختلافات، ودعمًا.
نصائح لأولياء أمور الأطفال الذين يعانون من اضطراب التوحد:
من المهم أن تتذكر أن طفلك هو نفس الشخص المتميز، المحبوب، والرائع الذي كان عليه قبل تشخيصه بالتوحد، لذا يجب عليك الآتي:
- تعرف على الاضطراب: قم ببعض البحوث حتى تفهم بشكل أفضل التوحد.
- تعرف على طفلك: تختلف أعراض التوحد من طفل لآخر، ويجد الأطفال الصغار صعوبة في شرح ما يعانون منه، لذا مع الوقت والصبر، ستعرف أي البيئات قد تسبب مشاكل له وما هي أفضل استراتيجيات التأقلم التي تتماشى معه.
- ابحث عن فريق من المهنيين الموثوق بهم: ستحتاج إلى اتخاذ قرارات مهمة بشأن تعليم طفلك وتأهيله، لذا ابحث عن فريق من المتخصصين الذين يمكنهم مساعدتك في تقديم الخيارات المتاحة أمامك لعلاج وتعليم طفلك.
- ساعد الآخرين لكي يساعدوا طفلك: لا يوجد لدى معظم أطفال التوحد علامات واضحة تدل على الاحتياجات، لذلك قد تحتاج إلى تنبيه المدربين والأقارب إلى احتياجاته؛ حتى لا يقضي المعلم أو المدرب وقتًا في التحدث مع طفلك حول أهمية النظر إليه أثناء حديثه، وهو أمر قد يكون صعبًا جدًّا على الطفل.