بقلم: د. جمال عبد الحميد
في كل عام، يتم تشخيص أكثر من مليون سيدة بسرطان الثدي في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من اتخاذ خطوات كبيرة نحو محاربة سرطان الثدى، لكن لا يزال متوسط أعداد المصابات بسرطان الثدي ممن يبقين على قيد الحياة خلال السنوات الخمسة ما بعد التشخيص في الحالات المتأخرة معدلاً منخفضًا؛ ولا يقاوم منهن لما بعد خمس سنوات بعد التشخيص سوى نسبة 35٪ فقط.
وقد أثبتت الدراسات التي أُجريت مؤخرًا إلى أن التحكم في أنماط الحياة وتغير بعض أساليب الحياة لدى البعض والتي تتمثل في الابتعاد عن التدخين، وكذلك تجنب السمنة وزيادة الوزن التي تساهم في الإصابة بسرطان الثدي؛ حيث إن السمنة تؤثر على عملية التمثيل الغذائي للخلايا السرطانية، وتجعل لها القدرة على مقاومة العلاج. وإن تجنب التعرض للاشعاعات بصورة كبيرة يحد من خطورة الإصابة بسرطان الثدي. وعلى الجانب الآخر، فإن هناك عوامل ثابتة لا يمكن تغييرها أو التحكم بها؛ مثل السن والجنس. فالنساء أكثر عرضة من الرجال للإصابة بسرطان الثدي، بالإضافة إلى وجود عوامل رئيسية أخرى من أهمها حدوث طفرات جينية في جينات معينة؛ مثل BRCA1 وBRCA2.
وطبقا للإحصائيات الحديثة لمنظمة الصحة العالمية، هناك ما يقرب من 1,6 مليار امرأة فوق سن الأربعين، وأقل من 6٪ من النساء، يتم فحصهن حاليًّا فى جميع أنحاء العالم. والجدير بالذكر أنه نظرًا لعدم وجود أداة فحص لسرطان الثدي للنساء في المجتمعات الريفية؛ حيث تُشكل الإصابة بسرطان الثدي خطرًا كبيرًا على حياة معظم السيدات المصابات في هذه المجتمعات، دون أن يدركوا ذلك، أو يُمنحون فرصة للتشخيص المبكر أو العلاج.
لذلك، فهناك حاجة ماسة إلى التشخيص المبكر لسرطان الثدي من خلال ما يسمى بتقنية «نقطة الرعاية» (Point of care)؛ حيث تعتبر هذه التقنية بمثابة تغيير فى تقنيات الكشف المبكر و تشخيص الإصابة بسرطان الثدي؛ حيث تعتمد فقط على أخذ قطرة دم من السيدات لتشخيص الإصابة مما يساعد في سهولة الكشف المبكر. وبهذا، فإنها تعدل التشخيص من علاج الأعراض المصاحبة لوجود سرطان الثدي إلى تقنيات مبتكرة في أنظمة الرعاية الصحية الحديثة القائمة على التشخيص المبكر، و قواعد البيانات للمرضى و كذلك التاريخ المرضى لهن؛ حيث تعتمد الأبحاث في هذا المجال على تقديم التشخيص المبكر إلى عدد أكبر من السيدات في جميع أنحاء العالم بتقنيات حديثة مع مراعاة عدة عوامل؛ مثل السرعة والدقة.
ففي هذه الأيام يعيش أكثر من 65٪ من الناس في مجتمعات ريفية، أو أحياء فقيرة، أو مناطق نائية في ظل غياب البنية التحتية المناسبة للمعيشة من كهرباء، و ماء، وما إلى ذلك؛ بالإضافة إلى عدم قدرة الأشخاص الذين يعيشون في هذه الأماكن على الوصول إلى التشخيص أو العلاج نتيجة للبعد الجغرافي. علاوة على ذلك، صعوبة وصول مقدمي الخدمة الطبية والرعاية الصحية والعمل في هذه المجتمعات. و هذا ما جعل الدولة المصرية تتجه الى دعم المناطق النائية والمجتمعات الفقيرة من خلال عده مشروعات.
ويعتبر هدف نظام (Point of care) الطبى هو التغلب على العوامل السابقة، و تقديم خدمة الرعاية الصحية للجميع من خلال عملية تسمى «نقاط رعاية صحية منتشرة»، و يتم الحرص على ربطها جميعها من خلال الشبكات الطبية مما يساعد على توفير حياة أفضل من خلال تقديم خدمة طبية متطورة.
تعتبر تقنية «نقطة الرعاية» (Point of care) إحدى التقنيات الواعدة التي يُمكن استخدامها في التشخيص المبكر والسريع عن سرطان الثدي؛ فهي نظام بسيط وسهل الاستخدام، و يتم باستخدام قطرة دم فقط.
هذه التقنيات تسمح بإجراء فحص بأجهزة وتقنيات سهل نقلها من مكان لآخر بطريقة سريعة لملايين النساء للكشف عن سرطان الثدي بدقة عالية وبأقل تكلفة؛ حيث تتميز بتغلبها على عنصر البعد الجغرافي لهذه المناطق بالإضافة لعوامل أخرى؛ مثل اختلاف الثقافات في هذه المناطق عن غيرها والحالة الاقتصادية للسيدات بهذه الأماكن؛ حيث لا تتطلب التقنيات الحديثة تدريب عالي المستوى للعاملين عليها من مقدمي الرعاية الصحية؛ لكى يتم التعامل مع هذه الأجهزة، بالإضافة إلى إمكانية استخدامه في أبعد الأماكن؛ حيث لا تتوفر رعاية طبية على مستوى مرتفع.
تتيح هذه التقنية لمقدمي الرعاية الصحية الموجودين عن بُعد القدرة على التعامل مع المعلومات الخاصة بالمرضى؛ حيث يمكن رفع بيانات ونتائج الاختبارات الخاصة بالمرضى على شبكة معلومات لربط مقدمى خدمات الرعاية الصحية والمرضى، حتى يتم ما يتيح علاجات أسرع وأرخص للمرضى.
تهدف هذه التقنيات الحديثة إلى التغلب على عوامل كثيرة؛ مثل اختلاف الوضع الثقافي والوضع المادي بهذه المناطق والتي تحرم المصابات بسرطان الثدي من حقهم في الكشف و التشخيص، وكذلك تلقي العلاج. كما أن تقليل تكاليف الرعاية الصحية والفحص للنساء في جميع أنحاء العالم هدفه المساعدة في تقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي وما ينشا عنه من خطورة على صحة السيدات المصابات؛ حيث بدأت المراكز البحثية بتطوير الأبحاث العملية، وتلقت بالفعل اهتمامًا كبيرًا.
وفي الوقت الراهن، يتم العمل على تطوير هذه التقنية سالفة الذكر في أكثر من دولة للوصول إلى أعلى دقة وحساسية ممكنة للتحليل، مع مراعاة سرعة إجراء التحليل. وبهذا يمكن أن يتم عمل مسح شامل للكشف عن سرطان الثدي للسيدات المصريات في مراحله الأولى؛ حيث تتميز بسرعة إجراء التحاليل وبانخفاض تكلفته وسهولته، ودقة نتائجه و ملائمته لجميع أطياف الشعب المصرى. كما يمكن تطويره بإضافة أكثر من دلالة أورام، خاصة بسرطان الثدي، بالاستعانة بتقنية «نقطة الرعاية» (Point of care).
وبذلك يمكن استخدام هذه التقنيات فى عمل مسح شامل للسيدات للكشف عن سرطان الثدي؛ حيث يتميز بالسهولة ويحتاج لقطرة دم واحدة لإجراء اختبارات الكشف، وتكون النتيجة في أقل من 15 دقيقة. وسيكون للمسح الشامل لتشخيص سرطان الثدي تأثيرًا اجتماعيًّا عظيمًا، خاصة في بعض المناطق لآلاف السيدات اللاتى لا يستطعن الذهاب للكشف المبكر عن السرطان نتيجة عده عوامل؛ مثل البعد الجغرافي وعدم توافر الخدمات الطبية في بعض المناطق. وهو ما يحقق المعادلة الصعبة بين الدقة و السرعة و الكفاءة.