بقلم: د. آية سليمان
أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أن الفيروسات لا يمكن لها أن تتكاثر إلا داخل خلايا الكائن الحي العائل لها. فالفيروسات تصيب الإنسان بوجه عام؛ كي تنمو وتتكاثر لتجد نفسها أمام ترسانة دفاعية قوية من الأجهزة المناعية الطبيعية واللقاحات. امتد الأمر مع ظهور جائحة كورونا إلى الالتزام بتدابير وقائية واجتماعية كمحاولة لتجنب الإصابة بالفيروس المتحور. ومن هذا المنطلق بدأ فيروس «سارس-كوف-2» من التكيُّف مع الوسط الإيكولوجي البشري الذي سيعيش فيه، واستخدم قدرته على تطوير آليات تكيُّف أخرى معقدة؛ حتى يتغلَّب على جهود العالم الحثيثة في مقاومة وعلاج الفيروس المستجد. ويتم الاحتفاظ بالشفرة الجينية للفيروس في حوالي 30000 جزء من الحمض النووي الريبوزي الخاص بالفيروس، عندما يصيب الفيروس الخلايا البشرية، يتم نسخ الشيفرة الجينية لصنع جزيئات فيروس جديدة.
ومع بداية ظهور جائحة فيروس كورونا، ظن الكثيرون أن الفيروسات التاجية بوجه عام، وفيروس «سارس-كوف-2» المسبب لكوفيد-19سيختفي مع الوقت، مثلما حدث مع أقرانه من نفس العائلة: سارس2003 (متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد الوخيم SARS)، وميرس-2012 (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية MERS). لكن ثبت خطأ هذه الفرضية؛ مع ظهور متحورات من فيروس كورونا المستجد؛ نتيجة حدوث طفرات (تغييرات في الحمض النووي للفيروس) أثناء تكاثر الفيروس، أو حينما ينسخ الفيروس نفسه.
ينتشر فيروس سارس- كوف-2 بشكل أساسي من خلال انتقال العدوى بين البشر، وأيضًا تشير بعض البيانات إلى انتقال العدوى بين البشر والحيوانات. كما أظهرت اختبارات الكشف إصابة عديد من الحيوانات بالفيروس؛ مثل الكلاب والقطط المنزلية والأسود والنمور والراكون، بفيروس سارس- كوف-2، والذي ارتبط بمخالطة أشخاص مصابين بالعدوى؛ وكلما زاد انتشار فيروس سارس- كوف-2، ازدادت احتمالات حدوث تغيير به لتزداد قدرته على التكيف مع البيئة من الفيروس الأصلي فيما يعرف بالتطور الفيروسي.
وبالرغم من ظهور متحورات ومتغيرات في فيروس كورونا-سارس-2؛ إلا أنه لا يزال يتغير بواقع أبطأ مقارنة بفيروسات أخرى؛ مثل فيروس الأنفلونزا أو الإيدز، ويمكن أن يعزى ذلك «آلية التصحيح» داخل فيروس كورونا-سارس-2 التي تتيح تصحيح الأخطاء التي قد تنشأ عندما ينسخ الفيروس نفسه على نحو تفتقر إليه فيروسات الحمض النووي الريبوزي الأخرى، والتي لا تزال الدراسات لمحاولة فهم آلية عملها.
وتعتبر معظم التغييرات الجينية التي حدثت في سارس-كوف-2 كان لها تأثير ضئيل أو معدوم على خصائص الفيروس، لكن هنالك تغييرات جينية تركزت في البروتين الشوكي للفيروس، والتي كان لها تأثير ملحوظ على خصائص الفيروس؛ مثل مدى سهولة انتشاره وضراوة المرض المرتبط به وأداء اللقاحات والأدوية العلاجية أو أدوات التشخيص. حددت منظمة الصحة العالمية مئات التحورات لفيروس سارس-كوف-2 بداية من يناير 2020 وحتى الآن حول العالم. وتتعلق آمال العالم الآن إلى حدوث طفرات في فيروس «سارس- كوف-2» تطوّره إلى صورةٍ أقل فتكًا مما هو عليه الآن؛ فالطفرات في حد ذاتها ليست أمرًا سيئًا، مثلما حدث مع فيروس الأنفلونزا عام 1918 والذي عرف باسم «الأنفلونزا الإسبانية»؛ الذي أصاب نحو 500 مليون شخص على مستوى العالم في ذلك الحين، كما أودى بحياة ما لا يقل عن 50 مليون شخص. ولقد انحسر انتشار الفيروس نتيجة المسار التطوري الذي سلكته فيروسات الأنفلونزا، والذي ربما يقدم لنا معلومات هامة عن المسار الذي سيسلكه فيروس «سارس-كوف-2».