بقلم: اسمه علي
«هنا القاهرة… جاءنا الآن البيان التالي من القيادة العامة للقوات المسلحة: نجحت قواتنا في اقتحام قناة السويس في قطاعات عديدة، واستولت على نقاط العدو القوية بها، ورفع علم مصر على الضفة الشرقية للقناة… هنا القاهرة»-
بيان العبور بصوت الإذاعي الكبير «حلمي البُلك» … البيان الخامس للقيادة العامة للقوات المسلحة في تمام الخامسة مساءً السادس من أكتوبر 1973 بعد أربعة بيانات بدأت في الثانية والربع من ذات اليوم. لحظة عظيمة وفارقة في عمر الوطن، ورغم أن جيلنا لم يعاصرها، إلا أننا عايشناها من خلال الأعمال الفنية السينمائية التي تناولت أو أشارت إلى حرب أكتوبر المجيدة، منها ما تم انتاجه عقب الحرب مباشرة، أو على مدار هذه السنوات الماضية وحتى يومنا هذا. وفي جولة سريعة نأخذكم في رحلة عبر أهم وأبرز الأعمال الفنية التي وثقت نصر أكتوبر العظيم بعيون السينما.
تأكيدًا على دور الفن في توثيق هذه الحقبة التاريخية بانجازاتها؛ فهناك مشهدان يمثلان مرارة الانكسار وفقدان الأرض والإحساس بالظلم الذي عانينا منه في حرب الاستنزاف عام 1967. مشهد السنترال في فيلم «الممر» (2019) والذي جسده دور الضابط «نور»، وأيضًا مشهد القطار في فيلم «الرصاصة لاتزال في جيبى» (1974)، والذى جسده الجندي «محمد المغاوري». فإن كنت تريد أن ترى على الشاشة ما حدث قبل أكتوبر وأول عمليات حرب الاستنزاف، فأنت على موعد مع فيلم «الممر»، أحدث الأعمال الفنية عن هذه الفترة مستمتعًا بجودة التصوير والأداء.
أما مع «محمد المغاورى»، فإنك سشاهد حال المقاتل المصري الذي شهد لحظات النكسة، وكيف نجا من الموت والأسر إلى أن عاد لوطنه؛ ليبدأ رحلة التحرير واسترداد الأرض، مرورًا بحرب الاستنزاف وحتى النصر في أكتوبر في مشاهد حربية هي الأطول في كل ما تم إنتاجه عن حرب أكتوبر، وإن لم تكن الأصدق والأكثر واقعية؛ حيث تم تصويرها في أماكن الحرب نفسها؛ ليعلن البطل في نهاية الفيلم أن الرصاصة ستبقى في جيبه دائمًا لحماية هذا النصر الغالى.
وإن كنت تريد معايشة خليط الرهبة والإحباط والأمل أثناء تلك الفترة متجسدًا على الشاشة، إليك فيلم «أغنية على الممر» (1972) لخمسة جنود محاصرين في ممر بالصحراء بعد استشهاد زملائهم ومحاولات العدو لجعلهم يستسلمون، مستمتعًا بموسيقاه التصويرية بصوت الأبطال مرددين كلمات الأبنودي «وتعيشي يا ضحكة مصر».
وفي حبكة درامية وبصبغة رومانسية اجتماعية، تتناول أفلام «أبناء الصمت» و«بدور» و«الوفاء العظيم» و«حتى آخر العمر»، أحداث أكتوبر المجيدة؛ بينما يقدم فيلم «العمر لحظة»، قصة يوسف السباعي، وجبة مركزة من الأحداث لم تغفل فيها الجانب الاجتماعي والسياسي والثقافي في مصر منذ عام 1967 وحتى النصر، مسلطة الضوء على مذبحة مدرسة «بحر البقر» التي ارتكبها العدو في حق أطفالنا، بل وفي حق الإنسانية جمعاء، مستمعًا لأغنية «يا بلادي يا بلادي» كلمات الشاعر فؤاد حداد، وألحان المبدع بليغ حمدي:
«محافظة الشرقية
مدرستي بحر البقر الابتدائية
كراستي مكتوب عليها تاريخ اليوم
مكتوب على الكراس اسمي
شايل عليه عرقي ودمي
من الجراح اللي في جسمي
ومن شفايف بتنادي
يا بلادي. يا بلادي. أنا بحبك يا بلادي»
وفي سياق أخر يغني معهم بطل الفيلم الجندي «عبد الرحمن» أو الغريب في حكاياته «غني يا سمسمية لرصاص البندقية ولكل إيد قوية حاضنة زنودها المدافع»؛ حيث نعيش الأحداث مع المجموعة التي تبحث عنه في السويس بعد الحرب قصص وأجواء مليئة بالتضحية والشجاعة هي في الحقيقة قصة كل مقاتل مصري ليصبح فيلم «حكايات الغريب» (1989) واحدًا من الأفلام التي تتناول وقت الحرب بشكل درامي. وفي عام 1995، كانت الساحة الفنية على موعد مع فيلم «الطريق إلى إيلات» أحد الأفلام التي جسدت أهم العمليات العسكرية البحرية، وواحدة من أهم عمليات حرب الاستنزاف بإخراج متميز للمخرجة القديرة إنعام محمد على.
كما يأتي فيلم «أيام السادات» من أفلام السيرة الذاتية، موثقًا حياة بطل الحرب والسلام متنقلًا في أحداثه بسلاسة عبر فترات زمنية زاخرة بالأحداث العسكرية والسياسية والاجتماعية، وصولاً لفترة ما قبل أكتوبر وما بعدها، ملقيًا الضوء على كثير من التفاصيل بأسلوب شيق.
أما إن كنت من محبي الأفلام التسجيلية؛ فأنت على موعد مع أبطالنا وجنودنا البواسل في أفلام تسجيلية مثل «صائد الدبابات» و«جيوش الشمس»، تم تسجيلها بعد الحرب مباشرة لنرى ونسمع روايات من الأبطال أنفسهم بكل تواضع وحب ووطنية عن أحداث هذا النصر العظيم، ويمكن أن تشاهدها بقناة وزارة الثقافة المصرية على يوتيوب. وإن كنت تريد معرفة دور سلاح الطيران؛ فأنت أمام الفيلمين الوثائقيين «أبابيل» و«أجنحة الغضب» من إنتاج المجموعة 73 مؤرخين.
إلا إنه رغم مرور 48 عامًا، لا يزال الإنتاج الفني عن نصرنا العظيم قليلاً مقارنة بهذا الحدث الجلل، الزاخر بقصص البطولة والفداء، وكما قال السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة 2019 أثناء تكريم أبطال فيلم الممر «بالمناسبة، أتصور للمخرجين والمنتجين إن التجربة (الفيلم) قابلة للتكرار كثيرًا. وشوفتوا حالة الالتفاف مش للجيش والشعب بس، لكن للدولة، حالة الالتفاف حول مصر».