كتبه/ د. محمد قريبة – أحمد علاء
“الصحة في مصر” من أكبر التحديات التي تواجهها الدولة منذ سنوات خصوصًا في المستشفيات الحكومية التي يعاني معظمها من قصور الموارد والتجهيزات الطبية. هذا التحدي الضخم تخوضه مصر الآن بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ضمن استراتيجية بناء الإنسان التي تعتبر أن توفير منظومة التأمين الصحي الشامل لكل المواطنين المصريين أحد أهم أولوياتها. من هنا التقت مجلة مجتمعنا بالفريق الطبي والإداري القائم على مشروع التأمين الصحي الشامل، وأغلبهم شباب في العشرينيات والثلاثينيات من خريجي البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة في مختلف الدرجات الوظيفية.
د. أحمد السبكي: الشباب يقودون منظومة التغيير في قطاع الرعاية الصحية
بدأنا حديثنا مع د. أحمد السبكي، مساعد وزيرة الصحة للرقابة والمتابعة ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرعاية الصحية، والمشرف العام على منظومة التأمين الصحي الشامل وعضو مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة والاعتماد. حيث أشار السبكي إلى أن التأمين الصحي الشامل هو أحد الأهداف الرئيسية للتنمية المستدامة التم تم تبنيها أمميًا من قبل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، حيث وقعت مصر على وثيقة التغطية الصحية الشاملة لدول شمال وشرق المتوسط 2018م في عمان، وقد كانت هناك محاولات سابقة للدولة في أعوام 1999 و2007 للبدء في مشروع التأمين الصحي لكنها لم تنجح.
وأضاف “تتميز التجربة الحالية للتأمين الصحي الشامل بأنها مكتملة الأركان، تشريعيًا من خلال قانون نظام التأمين الصحي الشامل رقم 2 لعام 2018، ومؤسسيًا من خلال تواجد الهيئات الثلاث القائمة بالمشروع: هيئة الرعاية الصحية وهيئة التأمين الصحي الشامل وهيئة الاعتماد والرقابة الصحية”.
وعن أهداف المشروع، أشار السبكي إلى أن الأهداف الرئيسية تكمن في توفير تغطية متكاملة وشاملة وتقديم حزمة واسعة من الخدمات الصحية والطبية بجودة عالية لكل المواطنين قادرين أو غير قادرين بدون أي تفرقة مع تحمل الدولة أعباء تكاليف الخدمة الطبية لغير القادرين وهم معفيين من الاشتراك والمساهمة والدولة تتكفل بذلك، بالإضافة إلى تحويل التغطية الصحية من مستوى الفرد لمستوى الأسرة وتعزيز مفاهيم طب الأسرة والإحالة. مضيفًا أن المشروع يستهدف أيضًاً تحقيق الحوكمة للنظام الصحي المصري، وذلك من خلال فصل التمويل عن تقديم الخدمة وتقليل تعرض المواطنين للفقر بسبب المرض بتقليل إنفاق المواطن من جيبه على الصحة، هذا إلى جانب رفع كفاءة المنشآت الصحية بالدولة، والتي تم حتى الآن رفع كفاءة 320 وحدة ومركز صحة أسرة و51 مستشفى.
كما أكد السبكي أن القوام الرئيسي لهيئة الرعاية الصحية هو الشباب بنسبة 80%، لذا تلك المشروعات كانت اختبار حقيقي للشباب المؤهل ذو الخبرة بل المعرفة والشغف أن يقدم جديد للدولة ويقود مؤسسات. نتائج ذلك كانت على سبيل المثال في هيئة الرعاية الصحية أن نغطي في أول سنة فقط من المشروع 98% كقطاع حكومي، لدينا قبول مجتمعي يتمثل في رضا المنتفعين بنسبة 90-93%، وتحقيق فوائض مالية في السنوات المالية الأولى والثانية، حيث إن الهيئة تحقق إيرادات تصل إلى مليار و300 مليون جنيه.
وعن التحديات التي واجهها الفريق الطبي الشاب، يرى السبكي أن أهمها هو تغيير ثقافة المجتمع في تقبل القيادات الشابة وكيفية التعاون وتحقيق تواصل الأجيال لا صراع الأجيال واحترام القيمة والخبرات ودعمها بطاقة الشباب التي توظف على الأرض في المشروعات القومية. كما أضاف أن هناك تحدي آخر متعلق بالإدارة في تعامل الشباب مع الرئيس والمرؤوس بالشكل اللائق وتجنب صدامات العمل وتوظيف الطاقة للطريق الصحيح وأهم شيء لتحقيق كل ذلك هو الاحترام المتبادل وتقدير الخبرات – تحدي أخير هو قضاء وقت طويل جدا في العمل وعدم وجود وقت في أحيان كثيرة للعودة لبيوتنا وتقضية وقت مع أسرنا ولكن كان عندنا هدف وكنا نصبر الدائرة الاجتماعية المحيطة بنا لنحقق جميعا ذلك الهدف، وذلك أيضًا لمواكبة السرعة التي تسير بها الدولة بقيادة الرئيس السيسي لتحقيق إنجازات على الأرض من بينها مشروع التأمين والتغير الجذري بالمنظومة الصحية.
كما طرح السبكي رؤيته المستقبلية لمشروع التأمين الصحي الشامل، قائلًا: “أتمنى أن نحقق المشروع في التوقيت الزمني الجديد الذي حدده رئيس الجمهورية الذي ضغطه من 10 إلى 15 سنة، وأن يتمتع كل مواطن مصري بحقه في الرعاية الصحية والعلاج بحرية وجودة وكرامة”.
د. رضوى إمام: قلة نوم وسفر وجولات ميدانية لتوعية المصريين بأهمية التأمين الصحي الشامل
انضمت د. رضوى إمام إلى الهيئة العامة للرعاية الصحية في عام 2019، حيث تعمل مديرًا لإدارة رضا العاملين، وتتولى بعض الملفات الخاصة بالإعلام والتوعية الميدانية. وترى الإمام أن التحدي الأكبر الذي واجهها هو النزول للتوعية الميدانية في الشوارع، قائلةً: كنت أنزل مع زملائي على الأرض ونتحدث إلى الجهات المعنية والقيادات الشعبية وكل الفئات لكي نشرح المشروع لهم، ونحاول أن نقنعهم ونغير تصورهم عن المشروع وملف الصحة، وكان يتطلب ذلك أحيانًا العمل لفترات 12-14 ساعة في اليوم وقلة نوم وقيادة سيارة لأوقات طويلة والسفر والترحال الكثير والبعد عن الأسرة.
وتضيف الإمام عن هذه التجربة، قائلةً: علمني النزول للشارع الكثير وفرق في شخصيتي، وتعزز ذلك بثقة الرئيس السيسي وثقة وزيرة الصحة د. هالة زايد، حيث حفزنا ذلك على العمل بأقصى طاقة وطموح للخروج بأفضل نتائج، وبالطبع مثل فيروس الكورونا عائقًا في العمل الميداني ولكن تغلبنا على ذلك، وطبعا وصلنا لدرجة أن الناس في الشوارع في بورسعيد كانت تعرفنا بالإسم من كثرة النزول للشارع والتواصل مع الناس.
كما تشير رضوى إلى تفاعل أعضاء هيئة الرعاية الصحية مع الأطباء من خلال الزيارات الميدانية للمستشفيات، حيث كان د. السبكي مساعد وزير ينزل إلى المستشفيات ويشرح للأطباء معنى التأمين الصحي الشامل على السبورة، وكان الفريق الميداني يدرب الأطباء بجد واجتهاد لإنجاح المشروع.
دكتورة آية سليمان: نهتم برضا المواطنين المنتفعين بالخدمات الطبية ونعتبرهم شركائنا في المشروع
تعمل د. آية سليمان، عضوًا في إدارة رضا المنتفعين برئاسة الهيئة العامة للرعاية الصحية، وهي إدارة حديثة بدأت العمل في يونيو 2020، حيث يعد المنتفع شريكًا في إدارة العملية الصحية واتخاذ القرارات. وتحدثت آية عن الدور الحيوي لهذه الإدارة قائلةً: “استطعنا تحويل تقييم المنتفعين للخدمة من أمور غير واقعية كان يتم التلاعب بها إلى منظومة واقعية ذات نواحي كثيرة مثل رصد وتحليل المشاكل عبر وسائل التواصل الاجتماعي والاستبيانات الورقية ومركز خدمة العملاء وغيرها مع تفعيل المجالس التنفيذية داخل كل منشأة حتى يتمكن المنتفع من التواصل مع المسؤولين في كل منشأة أو وحدة لبحث المشكلة والعمل عليها، وفي البداية كان الأمر مجرد قياس الرضا ولكن أصبحنا الآن أكثر فعالية وسرعة في الاستجابة وحل المشكلة ومع الوقت نحاول أن نكون موجودين حتى قبل وجود المشكلة”.
كما روت آية بعض المواقف المؤثرة التي ترى أن الإيمان بقيمة رسالتها الإنسانية أسهم في حدوثها، ومنها وضع طفل عمره تسع سنوات على قائمة انتظار مستشفى مجدي يعقوب في الأقصر، حتى تقرر نقله بسرعة إلى بورسعيد حيث تم إجراء العملية اللازمة له بنجاح أثر في مشاعر الفريق الطبي وجعلهم يشعرون بسعادة غامرة. بالإضافة إلى عديد من الأطفال المحتاجين لزراعة قوقعة وتم وضعهم على قوائم الانتظار الطويلة، ولكن المنظومة الصحية الجديدة المتطورة في بورسعيد أعطتهم فرصة تلقي العلاج في وقت أسرع وبكفاءة وجودة طبية عالية.
د. شيماء حسن: نجحنا في تعزيز ثقافة طب الأسرة من خلال تدريب الأطباء وتوعية المواطنين
حدثتنا د. شيماء حسن، عضو المكتب الفني لوزير الصحة، عن كونها من أوائل العاملين في منظومة التأمين الصحي الشامل، حيث شاركت في تخطيط المشروع منذ ست سنوات، واستكملت دورها التنفيذي في مكتب وزير الصحة، وواجهت تحديًا كبيرًا مع زملائها تمثل في عدم ثقة المواطنين وتوقعهم بأن المنظومة الجديدة مجرد اسم جديد ولن تختلف نوعيًا عن سابقتها، ولكن إصرار الفريق وإيمانه بمهمته جعلتهم ينجحون في إقناع المواطنين بالتعاون معهم وتقبل الإجراءات الجديدة التي تخدم مصلحة المنتفع بالرعاية الصحية. وتضيف شيماء أنها تولت مسؤولية ملف طب الأسرة، وعملت على تغيير الصورة الذهنية الخاطئة عن طب الأسرة الذي كان يراه الناس في مصر أقل أهمية من التخصصات الأخرى بعكس النظرة الإيجابية له في الدول الأجنبية، ونسقت برنامجًا متخصصًا لطب الأسرة من خلال إرسال بعثة مكونة من مائة طبيب مصري إلى لندن، وأعطينا مزايا وحوافز مادية ومعنوية خاصة لأطباء الأسرة، فضلًا عن نشر توعية في وسائل الإعلام لتعريف المواطنين بأهمية طبيب الأسرة وضرورة اللجوء إليه من أجل حياة صحية أفضل.
د. محمود الديب: تخطيط وتجهيز خدمات الرعاية الصحية يتم وفقًا لاحتياجات المواطنين في كل محافظة
أشار د. محمود الديب، مدير إدارة تخطيط المشروعات بالهيئة العامة للرعاية الصحية، إلى توليه مسؤولية إعداد الموازنة الاستثمارية للهيئة، والتخطيط قبل دخول خدمة التأمين الصحي الشامل إلى المحافظات، وجمع البيانات، وتحديد الأماكن الجغرافية المناسبة لإنشاء الوحدات والمراكز التي تقدم خدمات الرعاية الأساسية مع الحرص على أن تكون المسافات بينها متوازنة وتسمح بشمول وقرب الخدمات من جميع مواطني المحافظة. وفي المرحلة التالية، يحدد الفريق الخريطة الوبائية للأمراض وإصابات الحوادث الشائعة في المحافظة حتى يتم تكليف مستشفيات متخصصة بتقديم الخدمات الطبية المناسبة، كما يراعى أيضًا عدد سكان المحافظة عند تحديد حجم الخدمات والتجهيزات الطبية. وأخيرًا، يشرف الفريق على استلام المباني وتجهيزها بالفرش الطبي وغير الطبي والتأكد من مطابقتها لأعلى مواصفات الجودة، وبعد ذلك تبدأ المستشفيات في العمل لتطبيق الخدمات الطبية. وفي سياق متصل، يقوم الديب حاليًا بالعمل كمنسق عام لمبادرة حياة كريمة فيما يتعلق بالتخطيط للتجهيزات الطبية وإنشاء مستشفيات الرعاية الصحية بالقرى التي تخدمها المبادرة.
ويضيف الديب أنه يشرف أيضًا على ملف توفير احتياجات المستشفيات من الأكسجين الذي واجه أزمة خلال الفترة السابقة، ولكن جهود وزارة الصحة نجحت حاليًا في تنسيق العمل ومراقبة الموارد ووصول الاحتياجات في الوقت المناسب لكل مستشفى، كما يوجد حرص على إدارة ملفات تخزين الأكسجين وترشيد استهلاكه بطريقة آمنة وتساهم في الوقاية من أزمة الأكسجين.
د. أحمد عاطف: روح الفريق هو سر نجاح مشروع التأمين الصحي الشامل
د. أحمد عاطف، المنسق العام لمشروع التأمين الصحي الشامل في المحافظات بمكتب مساعد الوزير للرقابة والمتابعة، حدثنا عن تحدي شخصي واجهه التوفيق بين دراسته الأونلاين في جامعة هارفارد، وقيامه بدوره كمنسق عام للمشروع، وقد تغلب على هذا التحدي من خلال إدارة الوقت بشكل حكيم ودعم قيادة الهيئة له. ويضيف عاطف أن المشروع نجح بسبب روح الفريق الجماعي الذي تعاون لتوفير خدمة صحية ذات جودة عالية في الأقصر وبورسعيد والإسماعيلية، والمقرر أن تمتد هذه الخدمة أيضًا إلى محافظات السويس وجنوب سيناء وأسوان خلال الفترة المقبلة. كما يرى عاطف أن الخطوة المستقبلية التي يحرص الفريق على تنفيذها في ضوء رؤية القيادة السياسية تتمثل في تقليص المدة الزمنية لعمل المشروع الذي يستهدف تقديم خدمة صحية جيدة لكافة المواطنين في مختلف محافظات الجمهورية بشكل عادل ومتزن.
قدمنا لكم في هذا الملف تفاصيل المنظومة الجديدة للتأمين الصحي الشامل على لسان الشباب القائمين على هيئة الرعاية الصحية الشاملة التي تمثل قصة نجاح تتحقق بالاجتهاد والابتكار والاحترافية في إدارة الأزمات والتحديات، وتؤكد اعتماد الجمهورية الجديدة على الطاقات الشابة.