يسعي الناس لتحسين جودة حياتهم. ولكنهم يعلمون في الوقت نفسه، أنه من الصعب تحقيق ذلك. لاسيما في ظل التكدس الكبير في المدن القديمة وزيادة نسب التلوث الذى شمل تلوث الهواء والماء، فضلاً عن عشوائية البناء التى أحدثت تلوثًا بصريًّا أيضًا. ولذلك تم التفكير للخروج لحياة حديثة وذكية تحت مسمى «المدن الذكية» التى تتفاعل مع الفضاء المعلوماتى، وهو ما يضمن تحقيق الجودة وتحقيق الرخاء للسكان.
ولذا، سيلقي هذا المقال الضوء على «المدن الذكية» باعتبارها حلاً شاملاً لمشاكل السكان والبيئة، وسيوضح هذا المقال أيضًا العلاقة بين النمو المعلوماتى وتدهور جودة المناخ.
لقد شهد القرن العشرين نموًا كبيرًا فى التصنيع، خاصة مع النمو السكاني المتزايد، مما أدى إلى نضوب بعض الموارد غير المتجددة وتسبب في حدوث تلوث لاحظه العلماء المهتمين بهذا الشأن فى البداية. ولكن في الوقت نفسه، تم تجاهله من قبل الكثيرين خشية تأثيره السلبى على الإقتصاد. وفي عام ٢٠٠١، أعلنت الأمم المتحدة عن حدوث تغير فى النظام البيئي، مشيرة إلى أنه سيؤثر على رفاهية السكان ومعدلات التنمية الاقتصادية. وفي هذا الصدد، تم وضع إطار عمل للتنمية المستدامة بغية تنظيم المجتمع واحتياجاته الحالية، وكذلك الحفاظ على الموارد الطبيعية فى المستقبل، وهو ما يضمن استمرار الحياة والسير في الإتجاه الصحيح.
وعلى صعيد التعامل مع البيانات في ظل الحاجة لتخزين واستخدام البيانات، ظهر مصطلح «الحوسبة السحابية»، وهى بمعنى أدق عبارة عن مراكز بيانات تضم أجهزة كمبيوتر عملاقة تستهلك قدرًا كبيرًا من الطاقة الكهربائية للتشغيل والتبريد والتي تعتمد بدورها على وقود يتم حرقه وينبعث منه غازات ملوثة للبيئة، أشهرها ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب. فمن ثم، نجد أنفسنا أمام مشكلة أخري مفاداها أن رفاهية الإنسان لها تداعيات سلبية على الوضع البيئى السالف ذكره.
ولكن دعنا عزيزى القارئ ننظر للتداعيات الإيجابية للعصر المعلوماتي الذى مكَّن الإنسان من استيعاب التكنولوجيا بشكل أسرع، وهو ما أدى بدوره إلى ذلك التفاعل الرامي لخلق أفكار لتسخير كل هذا الزخم التكنولوجى ولتحقيق الطفرة فى علوم البيانات لبناء مدن تتمتع بالإستغلال الأمثل للموارد وتحد من التلوث البيئي.
فمن ثم، يمكننا عبر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تحقيق جميع أهداف الأمم المتحدة السبعة عشر للتنمية المستدامة، بما فيها الهدف الحادي عشر الذي يهدف إلى خلق مدن ومجتمعات مستدامة، بشكل أسرع. ولنرى كيف!
إن استخدام الحوسبة السحابية فى المدن الذكية وربطها بإنترنت الأشياء، أمر ضروري لدعم الحجم الهائل من التطبيقات والخدمات التي تعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كشبكات الكهرباء الذكية بحيث تكون قادرة على التعامل مع التغيرات الحديثة في الاستخدام، ومن ثم التفاعل معها. وبناءً عليه، سيساعد ذلك علي تحسين استهلاك الطاقة ويضمن استغلالها على الوجه الأمثل.
وجدير بالذكر، هناك شركات كبيرة؛ مثل شركة جوجل تعتمد على الطاقة النظيفة لتشغيل مراكز بيانتها. فيمكنك عزيزى القارئ أن تشاهد بنهاية الصفحة الخاصة بمتصفح جوجل عبارة «عملياتنا محايدة للكربون منذ 2007»، وذلك إشارة لاستخدامه الطاقة المتجددة في محاولة لتقليل الانبعاثات الكربونية والتى تُسبب الاحتباس الحرارى.
وبناء على ما سبق، يمكننا الوثوق بالمدن الذكية كحل شامل لإدارة كل من البيانات والطاقة الكهربائية والموارد المائية وشبكات النقل الذكية والخدمات الحكومية والمزارع الخضراء ونظم الأمن.
كل هذا ينتظرك عزيزي القارئ في مدن الجيل الخامس بالعاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة، وهذا لا يطور فقط البنية التحتية والخدمات فحسب، بل يخلق فرص عمل جديدة ويعمل على زيادة الدخل للجميع.
ختامًا، إن المدن الذكية خيار عملي لتحسين رفاهية الإنسان ولزيادة النمو الإقتصادى؛ حيثُ إنها ستنجح، بالتوازى مع التثقيف الشخصي للسكان، في تطبيق سلوكيات تُحسن من الأداء العام للمنظومة، وهو ما يؤدي بدوره إلى تعزيز التفاعل الإيجابى، لاسيما مع ظهور تقنيات جديدة تعتمد على التوازن بين رفاهية السكان والحفاظ على البيئة التى اُرهقت لعقود طويلة.
لقد حان الوقت لنتضامن الآن بالقرن الواحد والعشرين لإنقاذ أنفسنا من تهديداتها!