كتب/ محمد منير غازي
لا يعد مصطلح “الجمهورية الجديدة” مجرد تركيب لغوي رنان، سمعنا عنه في الفترة الماضية، بل سبقه مئات الآلاف من ساعات العمل المضني المخلص وإنكار الذات في كل مواقع العمل والتنمية في مصر، هكذا بدأت حكاية الجمهورية الجديدة، رؤية ثاقبة ورؤية في الدراسة والطرح المتوازن متعدد الأبعاد لتحديات جسيمة واجهت وطن كان على حافة الهاوية، في إقليم مضطرب تتشابك فيه المصالح الدولية بدرجة غير مسبوقة من التعقيد.
فكان لزامًا على قادة الوطن التحرك في كافة الأصعدة وبشكل جماعي، في معركة إحلال وتجديد، مرحلة تنتقل فيها مصر من كونها دولة نامية تعيش على ركام وأطلال من الجمود في كافة المجالات، إلى دولة تتطلع لتقود، تعمل وتثبت أحقيتها بتلك القيادة، فكان الناتج عظيم، والمردود أعظم، لتسطر الدولة المصرية صفحة ناصعة البياض في تاريخها.
بداية الملحمة
والجمهورية الجديدة مفهوم وملحمة حياة، وقصة شعب، ولدت من رحم ثورة الثلاثين من يونيو المجيدة، عندما خرجت جموع المصريين لتفويض المشير عبد الفتاح السيسي، قائد القوات المسلحة، بعد أن فاض كيل أبناء الوطن، وفي لحظة عبقرية من الزمان والمكان خرج الشعب في حماية جيشه “ليسترد الاسم والعناوين” بعدما أيقن المواطن المصري كارثية الأوضاع والمسارات المُظلمة في حالة الاستمرار على الوضع السابق.
خارطة طريق جديدة، وتمهيد لقيام الجمهورية الجديدة، لكنها قائمة على الشفافية والصدق والمكاشفة والمسؤولية المشتركة للمواطنين في كل قضايا الوطن، على الرغم من التحديات بالغة التعقيد حينها من مجتمع دولي غير مرحب، إلى محيط إقليمي يعاني من الفوضى، فضلاً عن موجات عنيفة ومتتالية من الإرهاب الداخلي غير المسبوق، إلى جانب الوضع الاقتصادي بالغ الصعوبة، والوضع المعقد لمؤسسات الدولة، انحاز المصريين للوطن وقبلوا التحدي، تحدي صناعة جمهورية جديدة.
إصلاح الداخل لكسب احترام الخارج
بدأ التنفيذ برؤية ثاقبة من القيادة السياسة على محاور متعددة الأبعاد ومتوازية التنفيذ، بدأت من إصلاح الداخل لتفرض احترام الخارج ولتتحول مصر في سنوات قليلة إلى رقم صحيح في المعادلة الدولية، حيث تضمنت المحاور سبيل المثال لا الحصر: الأمن، وبناء الإنسان، والتعليم، والصحة، والحياة السياسة، والاقتصاد، والنقل، هذا إلى جانب شبكات الطرق ومنظومات النقل، والإسكان ومدن الجيل الرابع، والسياسة الخارجية، وغيرها من الأبعاد الاستراتيجية.
ومنذ ذلك الوقت شارك المصريين في كل الإنجازات القومية على الأرض بصورة لم تكن مُعتادة من قبل، يعمل الجميع على مدار الساعة، ينتهي المشروع تلو الآخر ليعلن عن افتتاحه بحضور الرئيس السيسي وبشكل مبهر للجميع، آلية عمل أرست قواعد جديدة في بناء الجمهورية الجديدة بقيم يقودها العلم والاحترافية وإعلاء المصالح الوطنية والإخلاص والتجرد.
الشباب وقود التنمية الوطنية
في فبراير من 2016، أعلن الرئيس السيسي خلال مؤتمر إطلاق استراتيجية مصر للتنمية المستدامة (رؤية مصر 2030) عن اعتبار عام 2016م عاماً للشباب المصري فضلاً عن إطلاق البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب وللقيادة برعاية رئاسية، هذا التزامن بين مستقبل مصر 2030 والشباب المصري لم يكن على سبيل المصادفة، إنما كان في ضوء استراتيجية قائمة على تثبيت أركان الدولة والبناء فيها، هذا البناء الذي يحتاج الشباب بعقولهم المتقدة وحماسهم الوطني وجهودهم وإخلاصهم.
بدأت الدولة بالنظر إلى الشباب من منظور الشراكة والثقة والرعاية الحقيقية، ولأول مرة ينخرط الشباب في قضايا مصر الحقيقية برعاية رئاسية، فبدأت معهم رحلة من التأهيل المهم والضروري لطبيعة المرحلة، آمن الرئيس بنقاء الشباب وحماسهم وأراد لهم انخراطاً حقيقيًا في مفهوم الدولة وطبيعة إدارتها وتحدياتها، وكان الشباب على قدر المسؤولية ورهان القيادة السياسية، فخلال رحلة امتدت لخمس سنوات متتالية حدث التغيير بداية من نماذج محاكاة الدولة المصرية إلى المشروع القومي لحياة كريمة، مروراً بتوصيات المؤتمرات الرئاسية للشباب وتوصيات منتديات شباب العالم، والتي كانت نموذج غير تقليدي للاتصال المباشر بين القيادة السياسية والشباب المصري على مختلف انتماءاته وتوزيعاته الجغرافية، قدم فيها الشباب خلاصة حماسهم وجهودهم لتترجم إلى لمشروعات وأفكار تبناها السيد الرئيس والدولة المصرية لصالح المواطن المصري.
“عظيمات مصر” المكانة اللائقة والمشاركة الحقيقية
وفي مارس من عام 2017 بالتزامن مع احتفال عيد الأم، أعلن الرئيس السيسي عن اعتبار العام 2017 عاماً للمرأة في احتفالية كبيرة تليق بمكانتها وعظيم دورها في المجتمع المصري، مشيراً بالبنان والاحترام لدور المرأة المصرية العظيمة وأثرها في وجدان الوطن، وفي إطار التأسيس للجمهورية الجديدة تم تكليف الحكومة بكل أجهزتها والمجلس القومي للمرأة باعتماد تنفيذ “استراتيجية تمكين المرأة 2030” لتكون بمثابة المُسرع الوطني المصري للحفاظ على حقوق المرأة المصرية ووضعها في مكانتها وقدرها اللائق، وبما يحقق مبادئ تكافؤ الفرص والمشاركة الحقيقية.
لتكون مصر من أوائل الدول على مستوى العالم تصدر استراتيجية وطنية للمرأة 2030 تعمل على تمكينها اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، لتتوالى انتصارات الدولة لعظيمات الوطن بتمكينها في مؤسسات الدولة وتقلدها المناصب الرفيعة بمختلف الأجهزة التنفيذية والنيابية والقضائية، ولأول مرة يأتي تشكيل الحكومة ليضم 8 وزيرات فضلاً عن تعيين المرأة كمحافظ ونائبات للمحافظ، كما زادت نسبة تمثيل المرأة في البرلمان لتصل نسبة مشاركتها إلى 25%، إلى جانب تنفيذ برنامج المرأة الريفية لتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر الذي قدم التمويل لتسعة وسبعون ألف سيدة بهدف تدعيم المرأة المعيلة، فضلاً عن إنشاء وحدة بمجلس الوزراء لحماية المرأة من العنف.
امتدت فلسفة الجمهورية الجديدة في إرساء قواعد العدالة الاجتماعية وتمكين المرأة المصرية إلى التعديلات التشريعية للقوانين المرتبطة بحقوق المرأة برعاية رئاسية، منها على سبيل المثال قوانين تجريم الحرمان من الميراث، والخدمة المدنية وحقوق المرأة العاملة، والتأمينات والمعاشات، وتغليظ عقوبة الختان.
“ذوي القدرات الخاصة” شركاء البناء في الجمهورية الجديدة
وخلال مؤتمر الشباب الوطني الثالث بمحافظة الإسماعيلية في ابريل من عام 2017، أعلن الرئيس السيسي عن اعتبار العام 2018 عاماً لذوي القدرات الخاصة، ليشهد بعدها هذا الملف طفرة نحو المزيد من الحقوق والتأهيل والتمكين والرعاية التي أولتها الدولة المصرية لهم، حيث أُقر في فبراير من عام 2018 القانون الجديد لذوي القدرات الخاصة لينهي معاناة امتدت لـ 43 عاماً، فضلاً عن التوجيهات الرئاسية بتدعيم صندوق “عطاء” بمئة مليون جنيه، وإصدار قانون بإنشاء صندوق عدم الأشخاص ذوي القدرات الخاصة ليدعم حقوقهم في المسكن وتأهيل وحداتهم السكنية، إلى جانب حزمة من الإعفاءات الضريبية والجمركية، والتخفيضات في وسائل النقل والمواصلات العامة، والحق في الجمع بين الراتب والمعاش وتهيئة كافة المنشآت والخدمات والمؤسسات بالدولة لهم.
تغيرت نظرة الدولة للأشخاص من ذوي القدرات الخاصة ليكونوا مكون أصيل في التنمية الوطنية، حيث ضمنت لهم الحقوق والحريات وقدمت لهم الحماية من التمييز والحض على الكراهية والتنمر بعقوبات رادعة، ليشارك الجميع على قدم المساواة الإنسانية والوطنية في بناء الجمهورية الجديدة.
لن تكفي آلاف الصفحات توصيف حجم ما واجهه المصريين من تحديات، وحجم ما حققه من إنجازات مثلت طفرة في مختلف الأصعدة بقيادة الرئيس السيسي، ولكن يبقى محور المعادلة وأساس قوتها هو المواطن المصري، هو أساس وقوام نجاحات الجمهورية الجديدة والحارس الأمين على مكتسباتها.