بقلم:أحمد أبو زينه
باحث في شئون الغاز والطاقة
لا يمر يوم إلا ونجد خبرًا عن إنجاز جديد في قطاع البترول. ومنعًا لتكرار تناول ما تنقله وسائل الإعلام من أحداث أولاً بأول؛ فلن أتحدث عن الإنجازات الكبيرة في هذا القطاع منذ 2013، ولن أتحدث عن الاكتشافات الغازية في شرق المتوسط، ولن أذكر الاحتياطيات الهائلة لحقل ظهر أو حقول آتول ونورس، أو حقول الدلتا، أول حتى عن الاتفاقيات البترولية الجديدة للبحث والتنقيب في البحر الأحمر. لكنني سألقي الضوء في هذا المقال على أثر تلك الإنجازات على حياة المواطن المصري، وهو ما قد لا تجدون تحليلاته في وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها.
تموين السيارات بالغاز الطبيعي
بعد الاكتشافات الغازية، وأبرزها اكتشاف حقل ظهر باحتياطيات 30 تريليون قدم مكعب، أصبحت القدرات المصرية لإنتاج الغاز يوميًّا، دون استخدام الطاقة القصوى، 7 مليار قدم مكعب يوميًّا؛ بينما يبلغ الاستهلاك اليومي 6.3 مليار قدم مكعب.
هذه الكمية الكبيرة من الغاز سمحت للقيادة السياسية بالتوجه نحو التوسع في استخدام الغاز الطبيعي كوقود للسيارات بديلاً للبنزين، وهو بديل رائع وموفر للغاية. فبالنظر إلى تسعيرة البنزين والغاز الطبيعي، نجد أنه في يونيو 2021، بلغ سعر البنزين (80) 6.50 جنيه مصري للتر، والبنزين (92) 7.75 جنيه للتر، والبنزين (95) 8.75 للتر؛ بينما نجد أن سعر المتر المكعب من الغاز الطبيعي، وهو يعادل لتر البنزين، بلغ 3.50 جنيه للمتر.
وبالفعل قامت وزارة البترول بدعم من القيادة السياسية بمجهودات فنية عملاقة، من تحويل السيارة للعمل بالغاز في أربعة أيام، إلى التحويل في ثلاث ساعات فقط. ومن تكلفة 15.000 جنيه إلى 6.000 جنيه فقط. هذا بالإضافة إلى التوسع في إنشاء 1000 محطة غاز جديدة في كل المحافظات، بدلاً من 200 محطة فقط، بالإضافة إلى المضي قدمًا في إنشاء وحدة تموين غاز في كل محطة بنزين؛ ليتحقق أكبر
انتشار في القاهرة ومدن الدلتا والوجه القبلي
.
مستحقات الشركاء الأجانب
قبل عام 2013، بلغت مستحقات الشركات الأجنبية حوالي 6.3 مليار دولار، إلا أنها وصلت إلى 850 مليون دولار في عام 2021. لكن ما شأن المواطن المصري بذلك إذن؟ فدافعو الضرائب ينتظرون وجود خدمات ذات مستوى جيد نظير الجزء المستقطع من رواتبهم. وبغض النظر عن مديونيات الدولة، فقد قام المواطن بدفع ما عليه، والآن ينتظر ما له!
ونقول، كقاعدة عامة، عندما تكون هناك مديونيات كبيرة على الدولة لصالح الشركات الأجنبية العملاقة، نجد أن تلك الشركات تتوالى في الخروج من السوق واحدة تلو الأخرى، مع العلم أن شركات النفط العملاقة هي بمثابة دول صغيرة ذات رأس مال ضخم، وما يهمها في المقام الأول هو الربح فقط. فما الذي يدفعها للتواجد في سوق مديون بالمليارات!
لذلك، بالنسبة لمصر، فإن دفع تلك المستحقات، شجع تلك الشركات على زيادة الاستثمارات، وبالتالي زيادة الاكتشافات البترولية والتي ستؤدي بطبيعية الحال إلى تشغيل أكبر عدد من العمالة المصرية في تلك المشروعات، إلى جانب تلقي التدريب على يد أفضل الخبراء في العالم، مما يعود علينا بأيد عاملة ماهرة، ومن ثم انخفاض معدل البطالة.
الأثر على الموازنة العامة للدولة
أخيرًا، نتحدث عن خفض الضغط على الموازنة العامة للدولة، من خلال التحول من دولة مستوردة للغاز إلى دولة مصدِّرة، إما من خلال مد أنابيب، أو من خلال الغاز المسال (LNG)؛ وهي «تكنولوجيا تحويل الغاز الطبيعي من حالته الغازية إلى الحالة السائلة من خلال تبريده إلى -162 درجة مئوية، ثم نقله من خلال ناقلات الغاز المسال إلى الدول المستوردة». وتعتبر مصر هي الدولة الوحيدة على مستوى دول حوض المتوسط بعدد 23 دولة، التي لديها مصنعين للإسالة في إدكو ودمياط. وبصادرات تُقدر بحوالي 1.8 مليار دولار بالربع الأول من 2021، مقابل 1.4 مليار دولار بالربع الأول من 2020، ساعد قطاع البترول في السماح لقطاعات أخرى بزيادة حصصها في الموازنة العامة كقطاع الصحة لمواجهة جائحة كورونا.
وفي الختام، وعلى الرغم من الاعتقاد السائد أن تلك الاكتشافات والإنجازات تحدث على مستوى الدولة فقط، وأنها غير مؤثرة على حياة المواطن اليومية؛ إلا أنه يتضح أنها تحسن من جودة حياة المواطن بشكل مباشر.