بقلم: شادي محسن
حرصت القيادة المصرية بعد ثورة يونيو 2013 على تقرير مفهوم، أو وضع أسس، الدولة الوطنية، وهي أولاً، أن الأمة مصدر السلطة والتفويض؛ وثانيًّا، فصل السلطات الثلاثة: التشريعية والتنفيذية والقضائية عن أي أبعاد أيديولوجية على أساس الدين أو التمييز؛ وثالثًا، صياغة عقيدة وطنية تضمن اندماج جميع فئات الشعب المصري – كما هو ملاحظ في الباب الرابع من رؤية مصر 2030- وتنظم أيضًا التفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمصر.
أما بشأن الطابع التنموي للدولة؛ فقد حرصت القيادة على تحديد رؤى استراتيجية تنموية تمثل محددًا بجانب الإرادة السياسية في فرض التنمية على الدولة. وهو ما بدا جليًّا في حرص الرئيس على حضور المفاوضات مع كبرى الشركات العالمية في مجالات الصناعة والطاقة، مثل شركة إيني الإيطالية، والبنية التحتية، مثل شركة سيمنز الألمانية. واستنادًا إلى تلك المحددات، تُنظم التفاعلات الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.
الدور الجديد للدولة: إعادة توزيع المخاطر
يتبين، بعد النظر في خطابات الرئاسة منذ 2014 تقريبًا، التخوف الذي يساير الدولة من فكرة نشوء «مجتمع مَخاطر» في مصر. وظهر ذلك في جميع مقدمات الخطط الاستراتيجية للدولة؛ مثل حقوق المرأة، ورؤية مصر، حتى حقوق الإنسان، التي تؤكد على ظهور اتجاهات تطرف سلوكي في المجتمع المصري.
والمقصود من مجتمع المخاطر هو ظهور تحديات سياسية مثل فقدان الهوية، وأخرى اقتصادية مثل الفقر والبطالة، واجتماعية مثل العنف ضد المرأة والعنصرية، التي تتسبب في شرذمة الأمة المصرية وتفكك روابطها القومية، وأكثر من ذلك هو فقدانها الثقة السياسية في الدولة بشكل عام.
كما يخلق هذا النوع السلبي من المجتمعات اللجوء إلى الأنانية والتصرف الفرداني الخارج عن الجماعة والتآزر، مما يتسبب في انخراط أجندات أجنبية غير صديقة ضد مصر، وبالتالي يدفع إلى هدم الدولة الوطنية التي يسعى دورها بشكل أساسي نحو الحفاظ على التماسك المجتمعي.
وتشير القراءات الحديثة التي تناقش طبيعة الدولة، خاصة الدولة الرأسمالية، إلى أنه لم يعد دور الدولة قاصرًا على إعادة توزيع الأرباح والإلزام على رسم خريطة توزيع الموارد بين طبقات المجتمع، بل أصبح دورها الجديد «تقييم المخاطر وإعادة توزيعها بشكل متكافئ على جميع الطبقات»؛ حيث تتجاهل الدولة الوطنية هنا التقسيم الطبقي وتبدأ في إلزام الجميع على دفع المخاطر عن الجميع، وهو ما ربما يفسر ذلك الشكل الجديد للعلاقة بين الدولة ورجال الأعمال.
حياة كريمة نموذجًا
هنا تجدر الإشارة إلى أن «المشروع القومي حياة كريمة» لا يعد مشروعًا تنمويًّا عاديًّا في تاريخ مصر، وإنما مشروعًا يخدم قضية الأمن القومي المصري، إذا تم الاقتراب منه بمبدأ القضاء على مجتمع المخاطر. وتبين التقارير والدراسات الإحصائية في مصر أن قرى الريف المصرية يحيط بها عديد من التحديات على كافة الأبعاد التي ترقى لأن تصبح في درجة خطر(danger).
فعلى البعدين السياسي والأمني، يتبين أن الشعب المصري الساكن بالقرى الريفية يعاني غياب دور الدولة في توفير العيش الطيب من مرافق وبنية تحتية وموارد غذائية ميسرة ومرنة، مما تسبب في اختراق الجماعات المتطرفة واحتكارها توزيع السلع والغذاء على المصريين، مما خلق ارتباط سياسي بين الطرفين. لذا، يوفر مشروع حياة كريمة استعادة دور الدولة في هذه المناطق.
أما على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، فتعاني قرى مصر من تدهور جميع أنواع رؤوس الأموال، سواءً الأراضي الزراعية أو المباني السكنية أو الثروة الحيوانية، أو حتى رأس المال الثقافي متمثلاً في انتشار الجهل والظواهر السلبية، مثل ختان الإناث، والزواج القسري والمبكر، وتزايد معدلات الإنجاب بصورة عشوائية.
ويفسر هذا المشهد ضخامة مشروع حياة كريمة واستدعاء ضرورة إقامة كيان شبابي جامع تشرف عليه الدولة؛ (1) لمزيد من انخراط الشباب في بناء الدولة الوطنية التنموية، (2) وتفعيل قيمة التطوع، وهي قيمة أخلاقية وجودية، لدفع المجتمع إلى التآزر والتلاحم في مشروع بناء الدولة.