بقلم: أحمد عبدالعزيز
مهندس بترول وباحث في شئون الطاقة
في 14 يوليو الماضي، تم إطلاق ما يسمى بصفقة أوروبا الخضراء؛ حيث تبنت المفوضية الأوروبية مجموعة من التشريعات التي تهدف إلى الوصول إلى مناخ متعادل في الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2050. ومن أهم هذه التشريعات ما يخص قطاع النقل؛ حيث تهدف الصفقة إلى أنه بحلول عام 2030 يكون بالطرق والشوارع في أوروبا أكثر من30 مليون سيارة عديمة الانبعاثات. وطبقًا لتقرير منظمة «بلومبرج نيو إنرجي فاينانس» (BloombergNEF)؛ منظمة بحثية في مجال الطاقة تابعة لمؤسسة بلومبرج الشهيرة، عن مشهد الطاقة العالمي لعام 2021، أقرت فيه حجم سوق السيارات الكهربية من حجم السيارات عامة؛ إن أكبر المركبات الكهربية انتشارًا هي الدراجات الكهربية. وتستحوذ على 44% من حجم سوق الدراجات بواقع عدد تقريبي 260 مليون دراجة كهربية، ثم يليها في الترتيب الحافلات الكهربية، ثم سيارات الركاب، ثم سيارات النقل الخفيف. يعود سبب كل هذا التركيز على قطاع النقل إلى أن سيارات الركاب تستهلك حوالي 27% من الطلب على النفط عالميًّا من إجمالي 100 مليون برميل يتم استهلاكها يوميًّا، طبقا لإحصائيات «ريستاد إنرجي» (Rystad Energy) عام 2019.
وفي هذا السياق وضعت كثير من المؤسسات العالمية، مثل الأمم المتحدة؛ وشركات البترول العالمية، مثل بي بي وإكسون موبيل؛ ومؤسسات بحثية أخرى، سيناريوهات لتطوير مشهد الطاقة حتى عام 2050. من أبرز هذه السيناريوهات، ما أقرته منظمة «بلومبرج نيو إنرجي فاينانس» فيما يخص التحوُّل من السيارات التقليدية إلى غير التقليدية، الهيدروجينية أو الكهربية؛ فقد اقترحت توقعيّن، إما «تغير اقتصادي» والذي تحكمه فقط عوامل اقتصاديات السوق؛ أو «التغير نحو صفر انبعاثات» وهو رؤية أكثر صرامة ويحقق نجاحًا أكثر من ناحية المناخ، ويتطلب دعمًا سياسيًّا وتشريعيًّا من الحكومات ليتغلب على قوى السوق. وأضافت شركة «بي بي» البريطانية توقعًا ثالثًا أكثر نجاحًا من السابقين مدعومًا بوعي المستهلكين ورغبتهم في الإنفاق بشكل أكبر مقابل بيئة أنظف.
ولكن هل أوجدت السيارات الكهربية حلاً لمشكلة الانبعاثات، أم كانت سببًا في مشكلة أكبر؟ والإجابة عن هذا التساؤل لابد وأن تسبقها دراسة مستفيضة، خاصة عن مصادر توليد الطاقة الكهربية. صحيح أنه طبقًا لسيناريو «التحوُّل الاقتصادي»، فإن السيارات الكهربية بحلول 2050، ستتطلب 5000 تيرا وات في الساعة إضافي على الطلب الحالي للكهرباء؛ إلا أن مصادر الوقود المستخدمة في توليد الكهرباء أصبحت أكثر موائمة مع البيئة. فدخلت الطاقة الشمسية والرياح والطاقة النووية؛ لتحل محل المصادر غير النظيفة؛ مثل النفط والفحم. فطبقًا لبحث علمي عن دراسة حالة في إسكتلندا؛ فإن الانبعاثات الكربونية الناتجة من ازدياد الطلب على الكهرباء بسبب تحويل السيارات الخفيفة فقط من تقليدية إلى كهربية هو 0.47 ميجا طن من ثاني أكسيد الكربون في السنة مقارنة بالانبعاثات الحالية من السيارات التقليدية، والمقدرة بنحو 3.6 ميجا طن في السنة. فإذا تم تحويل كل السيارات العادية إلى سيارات كهربية؛ فإن ذلك قد يسبب نقصًا في الانبعاثات بنسبة تصل إلى 33.7%.
أما عن العلاقة بين السيارات الكهربية واقتصاديات دول النفط؛ فرغم أن باحثي إندستري وييك (Industry Week)؛ منصة أمريكية ذات إصدارات شهرية في مجال إدارة الأعمال، يروون أن الطلب على النفط سيزيد في الدول النامية، خاصة مع الهبوط المرتقب لأسعار النفط. إلا أنه في نهاية الأمر، وحسب ما يري باحثو منظمة «بولمبرج نت إنرجي فينانس»، سيسبب التطور في صناعة السيارات الكهربية بحلول عام 2023 نقصًا في الطلب على النفط العالمي بمقدار 2 مليون برميل في اليوم. أما في عام 2050، وباتباع نموذج «التحوُّل الاقتصادي» السابق ذكره؛ فان النقص في الطلب على النفط سيبلغ 21 مليون برميل في اليوم، مؤديًّا في النهاية إلى هبوط حاد في أسعار النفط،
وقد يتسبب ذلك في تكرار مأساة اقتصادية أخرى كالتي ألمت بالعالم عامة، ودول الخليج خاصة عام 2014؛ حيث زاد العرض بسبب اكتشاف النفط الصخري في الولايات المتحدة وكندا، بالإضافة إلى تأجيج الصراع الجيوسياسي بين الدول المنتجة للنفط، والنقص في الطلب بسبب تدهور الاقتصاد الصيني فضلاً عن سياسات المناخ. كل هذا أدي إلى هبوط حاد في أسعار النفط عالميًّا من 120 دولار للبرميل إلى ما يقرب 20 دولار فقط للبرميل، ومن ثم أحدث هزة في اقتصاد الدول النفطية، وخاصة دول الخليج.
وفي بحث علمي نشرته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الأسكوا) بخصوص آثار أزمة 2014 وأثرها على اقتصاديات الدول العربية؛ هناك توقعات بأن يحدث سيناريو مشابه مع طفرة السيارات الكهربية؛ حيث أنه من المتوقع أن تهتز اقتصاديات الدول المصدرِّة للنفط، خاصة المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان. ووجد الباحثون أنه بهبوط أسعار النفط، قد تهبط مستويات الاستثمار الكلي في السعودية بنسبة 35% في السنة التالية من الأزمة، وأيضًا الناتج المحلي الإجمالي قد يهبط بنسبة 12%. أما عن البطالة، فمع هبوط أسعار النفط بنسبة10% تقريبًا، سيزيد معدل البطالة بنسبة 4.7% في السنة التالية.
ورغم كل السلبيات الاقتصادية النفطية المحتملة مع طفرة السيارات الكهربية، لاتزال هذه القراءة من منظور نفطي فقط، أو بمعنى آخر، قد تتدهور صناعة النفط، ولكن هذا لا يعني تدهور الاقتصاد الكلي؛ لأن السيارات الكهربية قد تخلق اقتصادًا موازيًّا ناشئًا عن صناعة السيارات الكهربية والصناعة المرتبطة بها؛ مثل صناعة الليثيوم وسائر مكونات البطاريات الكهربية. ووفقًا لما ذكر في كتاب «نحو خلق اقتصاد طاقة نظيف» (Creating the Clean Energy Economy) الصادر عن المجلس الدولي للتنمية الاقتصادية؛ فإن سوق السيارات الكهربية سيخلق 86265 وظيفة كل عام.
أما عن سوق السيارات الكهربية في مصر؛ فبداية نود أن نشير إلى أن القيادة السياسية تبذل قصارى جهدها لمواكبة الجهود العالمية نحول «التحوُّل الأخضر» باستخدام أحدث التقنيات؛ حيث أطلقت القيادة السياسية مبادرة تدعو إلى توطين صناعة السيارات، خاصة السيارات الكهربية. وكان أهم مخرج من مخرجات هذه المبادرة، السيارة الكهربية «نصر E70» المزمع إنتاجها في شركة النصر للسيارات خلال النصف الثاني من عام 2022، بالإضافة إلى خطة إنشاء وتشغيل 3 آلاف محطة لشحن السيارات الكهربائية خلال 2023. كان هذا متزامنًا مع تحويل 1.8 مليون مركبة تعمل بالوقود التقليدي للعمل بالغاز الطبيعي بتكلفة 230 مليار جنيه استغلالاً لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي.
وعلى الرغم مما سبق، إلا أنه طبقًا لرؤية مصر 2030، تعتمد مصادر الطاقة المستخدمة في توليد الكهرباء على النفط بنسبة مساهمة 91%، والطاقة الكهرومائية 8%، والطاقة الشمسية، وطاقة الرياح 1%. ومن ثم، يوضح هذا التقسيم أن مصادر الطاقة الحالية ليست نظيفة بالحد الكافي الذي يجعل من تحويل سوق السيارات في مصر، من تقليدي الي كهربي، أمرًا كافيًّا لتقليل الانبعاثات الكربونية. ونحن في مصر متأثرون بشكل كبير بتأثير طفرة السيارات الكهربية على الطلب العالمي على النفط. فمع ركود الطلب وهبوط الأسعار، من المتوقع لمصر كمستورد للنفط أن تقتنص الفرصة وتعزز من استيرادها بالسعر المنخفض مما ينعش حركة الصناعة الداخلية ويزيد من سوق السيارات التقليدية، ويزيد من الانبعاثات الكربونية. وإن حال مصر هو حال سائر الدول النامية المستوردة للنفط.
كما ستتأثر مصر تأثرًا طفيفًا بالركود الاقتصادي المتوقع في دول الخليج المعتمدة بشكل كبير في ميزانيتها على النفط؛ حيث سيقل الطلب على العمالة المصرية في الخليج، ويقل الدور الاستراتيجي الذي تلعبه بعض دول الخليج في تشكيل سياسات الشرق الأوسط، مما قد يؤدي في نهاية الأمر إعادة اعادة هيكلة توازنات القوى في المنطقة، ويظل الأمر كذلك حتى تكتسب مصر قوة اقتصادية وصناعية تمكِّن حكومتها من فرض تشريعات لحماية المناخ وتقليل الانبعاثات الكربونية، خاصة مع ارتفاع مستويات الدخل، وزيادة الوعي الشعبي بأهمية الحفاظ علي البيئة.